الوكالات

بدء محاكمة المتهمين في هجوم قاعة الحفلات الموسيقية بموسكو وسط اتهامات متضاربة ومسؤولية تنظيم داعش

في واحدة من أكثر القضايا الجنائية إثارة للرأي العام في روسيا الحديثة، انطلقت يوم الاثنين في موسكو محاكمة 19 متهمًا على خلفية الهجوم الإرهابي الدامي الذي استهدف قاعة “كروكوس سيتي هول” في 22 مارس من العام الماضي، وأسفر عن مقتل 149 شخصًا وإصابة المئات. بين هؤلاء المتهمين الأربعة المشتبه بتنفيذهم المباشر للهجوم، وجميعهم من مواطني طاجيكستان، إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. ووفقًا لما أورده تقرير نشرته صحيفة The Guardian البريطانية في 4 أغسطس 2025، فإن تنظيم “داعش ولاية خراسان” المعروف اختصارًا بـ”داعش-خ”، وهو فرع ناشط للتنظيم في آسيا الوسطى، قد أعلن مسؤوليته الكاملة عن الهجوم، في حين تواصل السلطات الروسية اتهام أوكرانيا دون تقديم أدلة ملموسة، في سياق مشحون بالحرب الجارية وتوترات السياسة الإقليمية.

 

هجوم دامٍ خلفته ثغرات أمنية فادحة

تفاصيل الحادثة تكشف عن اختراق أمني خطير، إذ اقتحم أربعة مسلحين قاعة الحفلات الواقعة في ضواحي العاصمة موسكو، وفتحوا النيران على الحضور قبل أن يشعلوا النار داخل المبنى، ما أدى إلى مقتل عشرات الأشخاص نتيجة استنشاق الدخان وأول أكسيد الكربون، وفقًا لوكالة “تاس” الروسية. وبالرغم من تحذيرات مسبقة من وكالات الاستخبارات الغربية عن وجود خطط وشيكة لاستهداف تجمعات كبيرة في موسكو، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قلل من شأن تلك التحذيرات، واعتبرها محاولة لبث الذعر وزعزعة الاستقرار الداخلي، وهو ما أثار انتقادات واسعة تجاه الأداء الأمني في البلاد.

بدء المحاكمة وسط إجراءات مشددة

أقيمت الجلسة الأولى في المحكمة العسكرية بموسكو خلف أبواب مغلقة، بحضور نحو 30 من الناجين، في حين جرى عرض المتهمين الـ19، بمن فيهم الأربعة المنفذون و15 آخرين يُعتقد أنهم شركاء أو قدموا الدعم اللوجستي. ومن المنتظر عقد جلسات إضافية خلال الأسبوع، في ظل اهتمام محلي ودولي كبير بالقضية. وتعد هذه المحاكمة واحدة من أكبر المحاكمات في قضايا الإرهاب في روسيا خلال العقدين الأخيرين، وسط تساؤلات متصاعدة عن كيفية اختراق التنظيم الإرهابي للحدود الروسية وتنفيذ هجوم بهذا الحجم.

تعذيب وتسجيلات صادمة تثير استياء حقوقيًا

رغم أهمية المحاكمة قانونيًا، فإن ظروف اعتقال المتهمين الأربعة أطلقت جدلًا واسعًا، حيث أظهرت تسجيلات مصورة نُشرت عقب القبض عليهم تعرضهم للتعذيب الشديد على يد عناصر أمنية، وصلت إلى حد إجبار أحدهم على أكل جزء من أذنه بعد تقطيعه. وانتقدت منظمات حقوقية محلية ودولية هذه الممارسات، ووصفتها بأنها تمثل انتهاكًا صارخًا لأبسط معايير العدالة والكرامة الإنسانية، ما يضع مصداقية القضاء الروسي أمام اختبار حقيقي وسط اتهامات بتسييس القضية.

خلفيات اجتماعية وجذور التطرف

وفقًا للتحقيقات، كان المتهمون يعيشون في العاصمة موسكو ومحيطها، ضمن ما يُقدر بنحو 1.5 مليون مهاجر من طاجيكستان يقيمون في روسيا. وتقول السلطات إنهم تعرضوا لعمليات تجنيد ممنهجة من قبل تنظيم داعش-خ، الذي ينشط في آسيا الوسطى والجنوبية، مستغلًا هشاشة أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. هذا الجانب من القضية سلط الضوء مجددًا على معضلة اندماج المهاجرين من آسيا الوسطى في المجتمع الروسي، والتحديات الأمنية والاجتماعية المصاحبة لذلك.

اتهامات متكررة لأوكرانيا رغم غياب الأدلة

رغم إعلان تنظيم داعش-خ المسؤولية عن الهجوم، فإن السلطات الروسية تواصل الإصرار على اتهام أوكرانيا بالضلوع في العملية، معتبرة أن الهجوم “نُفّذ لمصلحة القيادة الأوكرانية بهدف زعزعة الاستقرار”، كما جاء في بيان رسمي الشهر الماضي. رئيس جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB) ألكسندر بورتنيكوف ذهب أبعد من ذلك باتهام الولايات المتحدة وبريطانيا أيضًا، وهو ما رفضته كييف واعتبرته “مزاعم عبثية لا أساس لها من الصحة”. هذا التوجه الروسي يُنظر إليه من قبل مراقبين على أنه محاولة لتحويل الانتباه عن الإخفاقات الأمنية الداخلية، وربما استخدام سياسي للأزمة لتعزيز مواقف الحرب على الجبهة الأوكرانية.

تصاعد العنصرية ضد المهاجرين الطاجيك

الهجوم الدامي وما تلاه من توتر أمني غذّى موجة جديدة من الكراهية تجاه المهاجرين من آسيا الوسطى، خاصة الطاجيك. تقارير حقوقية ومصادر إعلامية أفادت بتزايد حملات التفتيش والاعتقال بحقهم في المدن الروسية، كما ظهرت شهادات عن حالات تجنيد قسري لبعضهم للقتال ضمن القوات الروسية في أوكرانيا. هذه التطورات تثير قلقًا واسعًا من تصعيد التمييز العنصري وتزايد الانقسامات داخل المجتمع الروسي، خاصة مع بروز خطاب قومي متشدد في الأوساط السياسية والإعلامية.

اقرأ أيضاً:

الجيش الإسرائيلي: خلافات حادة بين نتنياهو وزامير تصل إلى ذروتها

يارا حمادة

يارا حمادة صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى