غوتسول تندد بالحكم الصادر ضدها: “انتقام سياسي وتخويف جماعي”
انتقام سياسى: صرع ماقبل الانتخابات

وصفت إيفغينيا غوتسول، رئيسة الحكم الذاتي في غاغاوزيا بجنوب مولدوفا، الحكم الصادر بحقها بالسجن لسبع سنوات بأنه “محاكمة سياسية مدبرة”، متهمة السلطات العليا في البلاد بتلفيق التهم سعياً لإقصائها عن الساحة السياسية قبل الانتخابات البرلمانية المرتقبة. وقالت غوتسول في بيان رسمي: “هذا القرار لا علاقة له بالعدالة. إنه اضطهاد سياسي نُفذ بأوامر عليا بهدف إخافة سكان غاغاوزيا الذين تجرأوا على التصويت خلافًا لرغبة الحزب الحاكم”.
السلطة والمعارضة في مولدوفا: صراع ما قبل الانتخابات
تأتي هذه الإدانة القضائية في توقيت بالغ الحساسية، إذ تستعد مولدوفا لخوض انتخابات برلمانية حاسمة، وسط تزايد الاستقطاب السياسي بين الحكومة الموالية للغرب بزعامة الرئيسة مايا ساندو، والمعارضة التي تمثلها جزئيًا قوى محلية مثل غوتسول وشخصيات مرتبطة بحزب “شور” المعارض والمُتهم بالتمويل غير المشروع.
وبحسب البيان الصادر عن غوتسول، فإن السلطات، وعلى رأسها الرئيسة ساندو وحزب العمل والتضامن الحاكم، يلجأون إلى “أساليب القمع والتضييق على القضاء”، معتبِرة أن الهدف الأوحد من هذه الإجراءات هو “الاحتفاظ بالسلطة بأي ثمن”. وأضافت: “إنهم يطوعون القوانين، ويضغطون على القضاة، ويصدرون أحكامًا سياسية من أجل إقصاء أي صوت مختلف”.
جذور الأزمة: من صندوق الاقتراع إلى السجن
العلاقة المتوترة بين إيفغينيا غوتسول وقيادة الدولة المركزية في كيشيناو تعود إلى عام 2023، عندما فازت بشكل مفاجئ في انتخابات رئاسة غاغاوزيا، الإقليم الذاتي الإدارة الذي يتمتع بتقاليد لغوية وثقافية تركية وتقارب مع موسكو. آنذاك، أعلنت غوتسول نيتها تعزيز العلاقات مع روسيا، منتقدة ما وصفته بـ”النهج التصادمي” للرئاسة المولدوفية تجاه موسكو، وهو ما أثار حفيظة القيادة المركزية.
لم يقتصر الخلاف على التصريحات السياسية؛ فقد رفضت الرئيسة ساندو التوقيع على المرسوم القانوني الذي ينص على انضمام رئيس غاغاوزيا إلى الحكومة المركزية، ما أثار احتجاجات في المنطقة، وتضامنًا واسعًا من البرلمان المحلي. ومع ذلك، مضت السلطات في رفض الاعتراف بشرعية غوتسول كعضو في مجلس الوزراء، في سابقة اعتبرها مراقبون مؤشرًا على إضعاف الحكم الذاتي الدستوري لغاغاوزيا.
الخلفية القانونية: قضية “شور” والمعايير المزدوجة
الحكم على غوتسول بالسجن لسبع سنوات جاء بعد اتهامها بالتورط في مخالفات مالية تتعلق بتمويل حزب “شور” المعارض، وهو حزب تم تجميده لاحقًا من قبل المحكمة الدستورية بدعوى “تهديده للنظام الديمقراطي”. غير أن أنصار غوتسول ومراقبين مستقلين يرون أن القضية تندرج ضمن سلسلة من الملاحقات الانتقائية التي تستهدف الأصوات المعارضة لرؤية الرئيسة ساندو الهادفة إلى تسريع انضمام مولدوفا للاتحاد الأوروبي وتوثيق التحالف مع الناتو.
ويقول منتقدو الحكومة إن قضية التمويل كانت ذريعة لتصفية حسابات سياسية، خاصة وأن الدعم الروسي لغاغاوزيا يُنظر إليه بقلق في كيشيناو، التي تتهم موسكو بالسعي لزعزعة استقرار الدولة الصغيرة الواقعة بين أوكرانيا ورومانيا.
المعارضة تلوّح بالتصعيد والشارع يغلي
في ظل هذا الحكم، يتوقع مراقبون موجة جديدة من التوترات في إقليم غاغاوزيا، حيث لا تزال النخب السياسية والبرلمان المحلي يدافعان بقوة عن غوتسول. وتفيد التقارير بأن احتجاجات شعبية بدأت تتشكل في بعض مدن الإقليم، وسط دعوات لإضرابات عامة ومقاطعة الانتخابات البرلمانية إذا لم يتم الإفراج عن غوتسول وإلغاء الحكم “المسيس”، بحسب وصف أنصارها.
ويحذر خبراء من أن تصعيد الموقف قد يعيد شبح الانفصال السياسي أو المطالبة بترتيبات اتحادية موسعة في غاغاوزيا، خصوصًا مع تزايد الشعور بالتهميش لدى سكان المنطقة ذوي الأصول التركية والميول الموالية لروسيا.
هل تتحول غاغاوزيا إلى بؤرة صراع داخلي؟
في الوقت الذي تحاول فيه مولدوفا تعزيز شراكتها مع أوروبا الغربية، تجد نفسها اليوم أمام أزمة داخلية ذات أبعاد قومية وسياسية معقدة. فملف غوتسول لم يعد مجرد قضية جنائية، بل بات اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام الدولة بالديمقراطية، والتوازن بين المركز والأقاليم، وحرية المعارضة في التعبير والمشاركة السياسية.
وفي ظل استمرار الغموض حول مستقبل الحكم الذاتي في غاغاوزيا، قد تتحول هذه القضية إلى ساحة مواجهة أكبر، بين مشروع مركزي غربي الطابع تقوده ساندو، وبين قوى محلية تسعى للحفاظ على خصوصيتها التاريخية والجغرافية، ولو تطلب الأمر المواجهة.