تقارير التسلح

تايوان تتسلّم ذخائر “التيّاه” الأميركية وسط تصاعد التوتر مع بكين

في خطوة جديدة قد تُفاقم التوترات في منطقة شرق آسيا، أعلنت وزارة الدفاع التايوانية عن تسلّمها دفعة أولى من ذخائر “التيّاه” الأميركية الصنع، وهي ذخائر طائرة انتحارية تُعرف باسم Altius-600M، وذلك في إطار تعزيز القدرات الدفاعية غير التقليدية للجزيرة. تأتي هذه الصفقة في توقيت حساس للغاية، حيث تشتد التحذيرات الصينية ضد أي تعاون عسكري بين تايبيه وواشنطن.

وتزامنًا مع عملية التسليم، التقى وزير الدفاع التايواني ويلينغتون كو مؤسس شركة “أندوريل إندستريز” الأميركية بالمر لاكي في العاصمة تايبيه، في مشهد يؤكد التصعيد الممنهج في التحالفات الدفاعية بين الجانبين. وقد نشرت صحيفة ديفينس بلوغ الأميركية، في تقريرها الصادر بتاريخ 6 أغسطس 2025، تفاصيل اللقاء وتداعيات الصفقة على التوازن الإقليمي المتوتر.

ذخائر انتحارية في خدمة الردع غير المتكافئ

 

وفقًا للبيان الرسمي الصادر عن وزارة الدفاع التايوانية، فإن استلام ذخائر Altius-600M يمثل جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى بناء “قوة ردع غير متناظرة ومرنة”، بحيث تكون قادرة على التصدي لتهديدات أكبر حجماً من قدرات تايوان التقليدية.

هذا النوع من الذخائر، المعروف بـ”الذخائر التائهة” أو Loitering Munitions، يتميز بقدرته على التحليق فوق منطقة الهدف لفترة زمنية طويلة، قبل أن يضرب هدفه بدقة حينما تتوافر الظروف المناسبة. وتُعد Altius-600M واحدة من أحدث منتجات شركة “أندوريل”، حيث تجمع بين الذكاء الاصطناعي والدقة الهجومية العالية والقدرة على نقلها بسهولة من قبل الأفراد في الميدان.

بكين ترد بعقوبات واستفزازات دبلوماسية

 

لم تمر هذه الصفقة دون رد فعل من بكين. فبعد إعلان الشركة الأميركية عن مشاركتها في تسليح تايوان، فرضت الصين في يوليو 2024 حزمة عقوبات مشددة على “أندوريل”، شملت حظر دخول مسؤوليها إلى الصين وهونغ كونغ وماكاو، وتجميد ممتلكاتها، ومنع أي تعاملات مالية أو تقنية معها في الأراضي الصينية.

وفي مواجهة هذه الضغوط، أصدرت الشركة بيانًا حاد اللهجة جاء فيه: “يبدو أننا نقوم بعملنا على أكمل وجه… وسنظل ملتزمين بالدفاع عن الديمقراطية في العالم”. هذه التصريحات لم تهدّئ من غضب الصين، بل زادت من حدّته، وسط تزايد الاتهامات بأن واشنطن تدفع تايوان نحو “مغامرة عسكرية خطرة”.

الشركة الأميركية: الذكاء الاصطناعي في خدمة الأمن القومي

 

تأسست شركة “أندوريل إندستريز” عام 2017 على يد لاكي، وعدد من المسؤولين السابقين في وزارة الدفاع الأميركية، وسرعان ما أصبحت لاعبًا رئيسيًا في عالم الأنظمة الدفاعية المستقلة. فهي تطور حاليًا تقنيات متقدمة تشمل منصات مراقبة ذاتية، أنظمة مضادة للطائرات المسيّرة، وهياكل قيادة وتحكم تعتمد على الذكاء الاصطناعي، تُستخدم بشكل متزايد من قبل القوات الأميركية وحلفائها.

ويمثل دخول هذه الشركة إلى منظومة الدفاع التايوانية علامة فارقة في مستوى التعاون العسكري الأميركي مع الجزيرة، إذ لم يُعلن بعد عن العدد الدقيق للطائرات المسلّحة التي تم تسليمها، إلا أن قدراتها المعروفة تشير إلى تحوّل نوعي في منظومة الردع التايوانية، خصوصًا في مجال الضربات الدقيقة ضد أهداف ثابتة أو متحركة، في البيئات المعقدة.

تحدي الردع في مضيق تايوان

 

تعتبر الصين تايوان جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، وقد حذّرت مرارًا من تحويل الجزيرة إلى “قلعة عسكرية” أميركية الطابع. ولكن تايبيه تردّ بأن لها الحق الكامل في الدفاع عن نفسها، خصوصًا في ظل الزيادة الكبيرة في الأنشطة العسكرية الصينية في مضيق تايوان، وتكرار اختراق الطائرات المقاتلة الصينية لمنطقة الدفاع الجوي التايوانية.

وتسعى تايوان حاليًا إلى تبني مبدأ “الدفاع غير المتكافئ”، الذي يقوم على تطوير قدرات قادرة على إلحاق خسائر كبيرة بالقوات المهاجمة دون الاعتماد على موازنة القوة الكاملة مع الصين، التي تمتلك ثاني أكبر ميزانية دفاعية في العالم.

ويُنظر إلى ذخائر Altius-600M على أنها تمثل القلب النابض لهذه الاستراتيجية، فهي خفيفة الوزن، طويلة المدى، ويمكنها العمل في بيئات متغيرة، ما يجعلها مثالية لصدّ هجمات بحرية أو جوية محتملة.

رسالة سياسية قبل أن تكون عسكرية

 

بعيدًا عن البعد العسكري الصرف، فإن تسليم هذه الذخائر يحمل رسائل سياسية عميقة: فهو يعكس تصميم إدارة واشنطن على الاستمرار في دعم تايوان عسكريًا، رغم التهديدات الصينية المباشرة. كما يكشف عن مستوى الثقة المتزايدة من قبل القيادة التايوانية في الشراكة مع المؤسسات الأميركية الناشئة، وليس فقط الجيش الأميركي الرسمي.

وفي الوقت الذي تسعى فيه الصين لتقويض تحالفات تايوان، يبدو أن الجزيرة تمضي قدمًا في بناء شبكة ردع متقدمة قائمة على الابتكار التكنولوجي والشراكة مع شركات الدفاع الأكثر تطورًا في العالم.

اقرأ أيضاً:

ترامب يعلن الحرب على علوم المناخ: تداعيات مذهلة تهدد البشرية

يارا حمادة

يارا حمادة صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى