عربي وعالمي

العالم يترقب خطوة ترامب التالية مع اقتراب مهلة وقف إطلاق النار في أوكرانيا تحول جذري في موقف ترامب من بوتين

بعد ستة أشهر من الغموض والتردد، بدا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد غيّر من رؤيته الأساسية لنظيره الروسي فلاديمير بوتين. فبدلاً من اعتباره “زعيماً صفقة” يمارس السياسة كوسيلة للتبادل والمقايضة، كما اعتُقد طويلاً، بات ترامب ينظر إليه باعتباره قوميًا أيديولوجيًا يسعى لاستعادة ما يعتبره حقاً تاريخيًا لروسيا. هذه القناعة جاءت متأخرة، ولكنها فجّرت أزمة جديدة في واشنطن، خصوصًا مع قرب حلول المهلة التي حددها ترامب لبوتين من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في أوكرانيا، وإلا فالعقوبات الاقتصادية على صادرات النفط الروسية ستكون جاهزة للتنفيذ.

هذه المهلة، التي تنتهي يوم الجمعة، قد تُعيد رسم المشهد السياسي والاقتصادي العالمي، ليس فقط بسبب تأثيرها على موسكو، بل أيضاً بسبب التداعيات المباشرة على دول مثل الصين والهند والبرازيل وتركيا، التي تعتمد بشكل كبير على النفط الروسي. ولعل المفارقة الأكبر أن ترامب، الذي طالما اتُهم بالتقارب من روسيا أو حتى بالعمل ضمن أجندة الكرملين، بات اليوم أمام لحظة قد تحدد إرثه السياسي داخلياً وخارجياً.

عقوبات غير مسبوقة أم مناورة جديدة؟

حتى الآن، لم يفرض ترامب أي عقوبات جدية ضد روسيا منذ بداية ولايته الثانية، خلافًا لما اعتادت عليه الإدارات السابقة، والتي كانت تطلق على الأقل حزمة عقوبات كل ستة أشهر منذ عام 2022. إلا أن الرئيس الأميركي أطلق مهلة مدتها 50 يومًا لبوتين، قلّصها لاحقًا، في تحوّل أربك حتى المقربين منه. وقد صرّح السفير الأميركي لدى حلف الناتو، ماثيو ويتاكر، أن “العقوبات الثانوية والرسوم الجمركية على الدول التي تشتري النفط الروسي، كالصين والهند والبرازيل، هي الخطوة التالية المنطقية”.

مع ذلك، ما يزال الغموض يكتنف نوايا ترامب الحقيقية. فقد أرسل مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف إلى موسكو للمرة الخامسة في محاولة أخيرة للتوصل إلى تفاهم، وعبّر ترامب نفسه عن شكوكه في مدى فعالية العقوبات، واصفًا الروس بأنهم “ماكرون ويجيدون التملص من العقوبات”. كما حرص على ترك مساحة واسعة للمناورة، إذ لم يسمح بتمرير قانون في مجلس الشيوخ كان سيمكنه من فرض رسوم ضخمة تصل إلى 500% على صادرات الدول المستوردة للنفط الروسي.

بوتين مع المبعوث الاميركي

التهديدات لنيودلهي وبكين: ضغوط استراتيجية أم انتقامات تجارية؟

تصريحات ترامب الأخيرة تجاه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي كشفت عن نبرة تصعيدية جديدة، إذ اتهم الحكومة الهندية بعدم الاكتراث لمقتل الأوكرانيين، مهددًا بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الهندية. لكن مراقبين اعتبروا أن هذه التصريحات لا تعكس إستراتيجية متماسكة، بل قد تكون امتدادًا لتوترات تجارية أقدم بين واشنطن ونيودلهي.

وفي السياق نفسه، حذر وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت الصين من عقوبات محتملة بسبب شرائها النفط الروسي. لكن هذه التهديدات تبدو فارغة، بحسب محللين، في ظل رغبة ترامب في عقد صفقة تجارية مع بكين وتجنب أزمة اقتصادية بسبب وقف مفاجئ في التبادل التجاري بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم. الصين، التي استوردت 32% من صادرات النفط الروسية في 2024، قد تكون العقدة الأهم في معادلة ترامب المعقدة.

ترامب

العقوبات الطويلة الأمد: فعالة أم عبثية اقتصادية؟

رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، إلا أن موسكو نجحت في تحقيق نمو اقتصادي بلغ 4% في عامي 2023 و2024، وحافظت على نسبة بطالة لم تتجاوز 2%. بل إن الفوارق الاجتماعية شهدت تراجعًا بفضل نمو الأجور الحقيقية، خصوصًا في الطبقات الدنيا، بحسب تقرير صادر عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن.

لكن هذا الصمود لا يخفي هشاشة متزايدة. فمعدلات الفائدة بلغت 18%، والتضخم مستمر، والنمو بدأ يتباطأ. ومع انخفاض أسعار النفط، وتراجع الإيرادات الحكومية من صادرات الطاقة بنسبة 35% بين مايو ويونيو 2025 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، اضطرت الحكومة الروسية إلى تعديل موازنتها لعام 2025، مع توقّع انخفاض الإيرادات النفطية من 189 مليار دولار في 2024 إلى 163 مليار في 2025 و151 مليار في 2026.

أزمة مالية تلوح في الأفق الروسي

العجز في الميزانية الروسية بلغ 3.7 تريليون روبل في النصف الأول من 2025، أي ما يعادل تقريبًا الهدف السنوي بأكمله، وهو ما يمثل زيادة ضخمة عن العجز المسجل في نفس الفترة من العام السابق. كما أن صندوق الرفاه الوطني الروسي، الذي تستخدمه الحكومة كاحتياطي مالي، بدأ يعاني من استنزاف متسارع، وقد تُضطر موسكو للاعتماد عليه بشكل أكبر مع نهاية العام.

ويعزو المحللون هذه الضغوط إلى الارتفاع الكبير في الإنفاق العسكري، الذي يشمل تكاليف التجنيد الطوعي، ويقدره البعض بما بين 8% إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا العبء المالي قد يدفع الاقتصاد الروسي نحو ركود محتمل، بحسب توقعات صدرت مؤخرًا عن مؤسسة “أوكسفورد إيكونوميكس”.

العقوبات الأوروبية وحدود التنسيق مع واشنطن

الاتحاد الأوروبي أعلن عن حزمة جديدة من العقوبات تشمل حظرًا على شراء منتجات نفطية مصنّعة من الخام الروسي بدءًا من يناير المقبل. كما تم فرض عقوبات على مصفاة “نايارا” الهندية، ما دفع شركة مايكروسوفت إلى تعليق خدماتها هناك. وتشير التوقعات إلى احتمال إدراج المزيد من المصافي تحت طائلة العقوبات الأوروبية، وسط تحرك بريطاني مماثل.

هذا يطرح تحديًا جديدًا حول كيفية تعويض النقص في إمدادات النفط إذا ما تم فرض الحظر بشكل صارم. كما أن التنسيق بين واشنطن وبروكسل بشأن “سقف سعر النفط الروسي”، الذي وُضع في عهد بايدن لضمان تدفق النفط بسعر منخفض، يبدو هشًا. إذ إن ترامب لا يزال متمسكًا بالسقف السابق عند 60 دولارًا للبرميل، بينما خفضته بريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى 47.60 دولارًا بدءًا من سبتمبر، مما يفتح باب التحايل والتلاعب في السوق السوداء.

اقرأ أيضاً:

ترامب يعلن الحرب على علوم المناخ: تداعيات مذهلة تهدد البشرية

يارا حمادة

يارا حمادة صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى