ترامب يضغط بالرسوم ونيودلهي ترد بالتصنيع المحلي: هل تُلغى صفقة العربات القتالية؟

في ظل فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسومًا جمركية إضافية بنسبة 25% على السلع الهندية، مما رفع الرسوم الإجمالية على المنتجات الهندية إلى 50%، وهو من أعلى المعدلات المفروضة على أي دولة، يتضح أن المشكلة لا تتعلق فقط بشراء نيودلهي للنفط الروسي.
فإذا كان الأمر كذلك، فهناك دول أخرى أكثر استحقاقًا للرسوم الجمركية الأمريكية. على سبيل المثال، استوعبت الصين 48% من صادرات النفط الروسي بين ديسمبر 2022 ويونيو 2025، بينما اشترت الهند 37% فقط من نفس الصادرات في نفس الفترة.
بالمثل، وفقًا للبيانات من مركز البحوث الفنلندي للطاقة والهواء النقي (CREA)، استهلك الاتحاد الأوروبي 51% من صادرات الغاز الطبيعي المسال الروسي، تلتها الصين بنسبة 21% واليابان بنسبة 18%.
منذ بداية الحرب الروسية في أوكرانيا، دفعت دول الاتحاد الأوروبي لروسيا 212 مليار يورو (247.13 مليار دولار أمريكي) مقابل استيراد الوقود الأحفوري الروسي. مقارنةً بذلك، اشترت الهند النفط الروسي بمبلغ 131.14 مليار دولار أمريكي بين فبراير 2022 ومارس 2025، رغم أن عدد سكان الهند ثلاثة أضعاف سكان الاتحاد الأوروبي.
ولكن ليست الرسوم الجمركية فقط هي التي تثير القلق، بل إن لهجة ترامب، التي تقترب من العداء العلني، والاختلافات حول قضايا عديدة مثل الهجرة، وتأشيرات H1B، وعلاقات الولايات المتحدة مع باكستان، واصرار واشنطن على فتح السوق الزراعي ومنتجات الألبان في الهند (وهو أمر يعتبر محظورًا سياسيًا لأي حكومة)، تشير إلى تحول جيوسياسي أوسع.
لطالما أظهرت الولايات المتحدة نفسها كحليف غير موثوق به في مجال الأمن؛ ومع ذلك، فقد ألحق التراجع الأسبوعي لترامب أضرارًا طويلة الأمد بسمعة واشنطن.
وفي الوقت نفسه، بينما تلوح التهديدات اليومية من ترامب ضد نيودلهي، يزور رئيس أركان الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير الولايات المتحدة مجددًا، للمرة الثانية في شهرين.
في هذه البيئة الجيوسياسية المتغيرة، سيكون من الخطأ ألا تقرأ الهند هذه الإشارات وتستمر في اعتبار واشنطن شريكًا أمنيًا موثوقًا.

هل الهند بحاجة إلى مراجعة صفقة سترينكر؟
وفي هذا السياق، تحدث العقيد هاريندرا سينغ (متقاعد)، من فوج كوماؤن، إلى “يورآسيان تايمز“، قائلاً: “أمريكا حليف غير موثوق به على الإطلاق؛ سيتخلون عنك عندما تحتاج إلى الأسلحة والمعدات لمواجهة باكستان. يجب أن تفتح الهند محور روسيا-الهند-الصين؛ سيجلب السلام والهدوء إلى منطقة LAC ويعلم أمريكا درسًا.”
وبناءً على ذلك، هناك حاجة ملحة لمراجعة جميع الصفقات الدفاعية المعلقة مع الولايات المتحدة، وربما تكون صفقة سترينكر غير المخطط لها، غير المبررة وغير المنطقية، هي الأكثر أولوية في التعليق.
على عكس صفقات محركات الطائرات F404 وF414 التي تزودها جنرال إلكتريك، التي لا توجد بدائل لها في الهند، فإن نيودلهي تمتلك بدائل محلية لآليات القتال المدرعة من نوع سترينكر (Stryker), والتي لا تدعم أهداف الهند في تحقيق الاكتفاء الذاتي في الدفاع فحسب، بل هي أيضًا أكثر قدرة، وأكثر توافقًا مع الظروف الهندية، وأقل تكلفة.
صفقة سترينكر: معضلة في المفاوضات الهندية الأمريكية
تقترب الهند والولايات المتحدة من إتمام صفقة سترينكر، وهي صفقة قيمتها حوالي 1.5 مليار دولار لشراء 530 وحدة من مركبات سترينكر القتالية المدرعة. وتعد هذه الصفقة جزءًا من خطة ثلاثية المراحل لاستبدال آليات BMP-II الروسية القديمة التي تستخدمها الهند حاليًا.
تتضمن الخطة ثلاث مراحل: الشراء الأولي عبر مبيعات الأسلحة العسكرية الأمريكية، ثم الإنتاج المشترك في الهند، وأخيرًا التطوير المشترك للطرازات المعدلة.
من المتوقع أن يتم نشر سترينكر في المناطق المرتفعة على الحدود مع الصين في أماكن مثل شرق لاداخ وسيكيم.

السترينكر: الجنود الأشباح في حرب العراق
تعد سترينكر من مركبات القتال ذات الثمانية عجلات، التي طورتها شركة جنرال ديناميكس لاند سيستمز كندا لصالح الجيش الأمريكي. وقد تم تسويقها بشكل قوي من قبل الولايات المتحدة للهند كجزء من الجهود العسكرية المشتركة بين البلدين.
تعمل المركبة بمحرك كاتربيلار C7 بقوة 350 حصانًا، وتتمتع بمدى يصل إلى 483 كم وسرعة قصوى تبلغ 100 كم/ساعة. كما أن لديها درعًا سيراميكيًا إضافيًا لحمايتها من العبوات الناسفة.
البديل الهندي المحلي: المركبة المدرعة WhAP من تاتا
تقدم الهند أيضًا بديلًا محليًا متميزًا في شكل المركبة المدرعة WhAP (Wheeled Armoured Platform)، التي طورتها شركة تاتا موتورز. تم تصميم هذه المركبة لتلبية احتياجات الجيش الهندي من مركبات القتال المدرعة ذات الثمانية عجلات، وهي تأتي مزودة بقدرات تفوق في بعض المجالات نظيرتها سترينكر.
تتميز المركبة WhAP بقدرتها على العمل في بيئات جغرافية متنوعة، بما في ذلك القدرة على عبور الأنهار والبحيرات، وهي ميزة هامة نظرًا لتضاريس الهند المتنوعة.
هل يجب على الهند إلغاء صفقة سترينكر؟
أولاً وقبل كل شيء، يجب التأكيد على أن WhAP هو منتج محلي بالكامل. في حال قررت الهند اختيار WhAP بدلاً من سترينكر، فإن ذلك سيكون بمثابة دفعة كبيرة لجهود الهند في تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الدفاع.
لقد تعلمت الهند، على مر السنين، أن الاعتماد على الولايات المتحدة للحصول على منصات دفاعية حاسمة يشكل ضعفًا استراتيجيًا يمكن أن تستغله واشنطن في أي وقت. فعلى سبيل المثال، تأخر برنامج LCA Tejas المحلي في الهند بسبب التأخير في توريد محركات F-404 من جنرال إلكتريك.
ثانيًا، تتمتع مركبات WhAP بتكلفة أقل بكثير مقارنة بالمركبات الغربية مثل سترينكر، حيث تتراوح تكلفة المركبة WhAP بين 3 إلى 4 مليون دولار أمريكي، أي أنها أرخص بنسبة 30 إلى 50% من المنافسين الغربيين.
لكن الأهم من ذلك هو أن WhAP أكثر ملاءمة لمتطلبات الجيش الهندي. فهي لا تقتصر على قدرة أفضل على المناورة عبر التضاريس المختلفة فحسب، بل يمكن أيضًا تزويدها بأنظمة تسليح متقدمة مثل المدافع الأوتوماتيكية عيار 30 ملم، والصواريخ الموجهة ضد الدبابات، ومدافع رشاشة عيار 7.62 مم أو 12.7 مم.
إقرأ ايضَا….
سباق التفوّق الجوي: الهند وتركيا وكوريا الجنوبية تتنافس على ريادة الجيل الخامس من المقاتلات
التقييم النهائي: فرصة لتحسين قدرة الهند الدفاعية
في الختام، أمام الهند فرصة ذهبية للاستفادة من التحديات التي فرضتها الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على السلع الهندية. يمكن للهند أن تستغل هذا الوقت لتعزيز صناعتها العسكرية المحلية وتنفيذ استراتيجية “صنع في الهند” بشكل أكبر، وهو ما سيسهم في تعزيز قدرتها على التصدي لأي تهديدات أمنية مستقبلية.
علاوة على ذلك، يمكن للهند أن تعيد النظر في العديد من صفقاتها الدفاعية، بدءًا من صفقة سترينكر، وبالتالي إرسال رسالة واضحة إلى واشنطن مفادها أن الهند مستعدة لحماية مصالحها الوطنية وسيادتها، حتى لو كان ذلك يعني التراجع عن اتفاقيات سابقة.