لماذا يعد استيلاء ترامب على شرطه العاصمه واشنطن قرارا مضللا ؟

أثار قرار الرئيس دونالد ترامب الأخير بالسيطرة على شرطة واشنطن العاصمة مخاوف جدية، ليس فقط بشأن مبرراته، بل أيضًا بشأن الدوافع السياسية الكامنة وراءه. فبصفتها عاصمة الولايات المتحدة، صُممت واشنطن لتكون نموذجًا للديمقراطية، تُجسّد فيه مُثُل الحكم الرشيد. ومع ذلك، ومع خطوة ترامب الأخيرة، تُخاطر بأن تصبح رمزًا للتجاوزات والاستعراض.
تاريخ ترامب الطويل في استخدام الجريمة كأداة سياسية
لطالما استخدم ترامب جرائم العنف كقضية سياسية، يعود تاريخها إلى خطابه المبكر في ثمانينيات القرن الماضي. ففي عام ١٩٨٩، حذّر من “عصابات متجولة من المجرمين المتوحشين”، وهو موضوعٌ كرّره مؤخرًا في تصريحاته حول العاصمة. وصوّر واشنطن كمدينةٍ تعجّ بعصابات العنف و”المجرمين المتعطشين للدماء” والمشردين. وبهذه الرواية، برر إرسال الحرس الوطني والسيطرة على أجهزة إنفاذ القانون المحلية في المدينة.
هذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها ترامب الجيش لإنفاذ القانون المدني في المدن التي تربطه بها علاقات متوترة. ففي عام ٢٠٢٠، أرسل قوات من الحرس الوطني لتفريق احتجاجات حركة “حياة السود مهمة”، وفي وقت سابق من هذا العام، نشرها في لوس أنجلوس لحماية الممتلكات الفيدرالية خلال احتجاجات الهجرة. ومع ذلك، لم يطلب القادة المحليون أيًا من هذه التدخلات. والآن، يقترح ترامب إمكانية توسيع نطاق نموذج واشنطن العاصمة ليشمل مدنًا أخرى، وخاصة تلك التي يديرها الديمقراطيون.
تأثير محدود وقيود قانونية
في حين أن تدخل ترامب قد يبدو جذريًا، إلا أن التأثير العملي لأمره محدود نسبيًا. فقد سمح للحرس الوطني في واشنطن العاصمة، وهو صغير الحجم، بمساعدة إنفاذ القانون. ومع ذلك، فإن سيطرته على شرطة المدينة مؤقتة ولا يمكن أن تستمر إلا لمدة ٣٠ يومًا ما لم يمددها الكونغرس. وهذا ليس استيلاءً فيدراليًا دائمًا على المدينة، بل هو ترتيب قصير الأجل ذو صلاحيات محدودة.
استشهد ترامب بالعديد من الحوادث، مثل سرقة السيارات وإطلاق النار، لتبرير تصرفه، مقارنًا بين واشنطن والمدن التي مزقتها الحروب مثل بغداد. على الرغم من ارتفاع معدلات الجريمة في واشنطن عام ٢٠٢٣، لا سيما في عمليات سرقة السيارات والحوادث العنيفة، من المهم الإشارة إلى أن معدلات الجريمة قد انخفضت منذ ذلك الحين. فمعدل جرائم القتل آخذ في الانخفاض، كما أن عمليات سرقة السيارات، رغم أنها لا تزال تُشكل مشكلة، قد بدأت في التراجع.
النفاق والدافع السياسي
إن تركيز ترامب على واشنطن ينطوي على نفاق عميق. فقد عمل الجمهوريون، بمن فيهم ترامب، لفترة طويلة على تقويض الحكومة المحلية للمدينة من خلال عرقلة قدرتها على استخدام عائدات الضرائب وفرض تخفيضات على الخدمات الأساسية، بما في ذلك الشرطة. وبذلك، فقد فاقموا بشكل غير مباشر مشكلة الجريمة التي يسعى ترامب الآن إلى معالجتها.
علاوة على ذلك، تكشف تصرفات ترامب عن دافع سياسي أعمق. فسيطرة الحكومة الفيدرالية على واشنطن أقوى منها في أجزاء أخرى من البلاد، مما يمنح الرئيس سلطة أكبر في العاصمة. في المقابل، خارج واشنطن، سيحتاج ترامب إلى تفعيل قانون التمرد لإضفاء الطابع الفيدرالي على الحرس الوطني لأغراض الاعتقال. وسيكون هذا مثيرًا للجدل وصعب التنفيذ.
رمزٌ للتجاوز
في حين أن تصرفات ترامب في واشنطن قد تكون مبررة قانونيًا نظرًا للمكانة الفريدة للمدينة، إلا أنها تثير تساؤلاتٍ مُقلقة حول استخدام السلطة الفيدرالية لتحقيق مكاسب سياسية. من الواضح أن هذه الخطوة لا تهدف إلى معالجة الجريمة بقدر ما تهدف إلى تقويض الحكم المحلي وتعزيز السيطرة.
في نهاية المطاف، قد يُنفّر هذا القرار سكان واشنطن، الذين يُهمّشون لصالح التدخل الفيدرالي، كما يكشف عن نفاق رئيسٍ ساهم في ترسيخ الأوضاع التي يدّعي الآن إصلاحها. بدلًا من أن تُقدّم حلًّا، تعكس تصرفات ترامب تجاوزًا يُهدّد توازن القوى في العاصمة الأمريكية.