كيف يمكن للهواتف المحموله أن تساعد في التنبؤ بالفقر وتحسين وصول الخدمات

بعد مرور عام على طرح لقاحات كورونا في 2020، ظلت نسب التطعيم منخفضة بشكل مقلق في العديد من الدول الإفريقية. ورغم اتهام بعض الشركات الدوائية “تردد الناس في أخذ اللقاح”، إلا أن الدراسات الميدانية كشفت أن معظم السكان في إفريقيا كانوا أكثر استعداداً للتطعيم من الأمريكيين أو الروس. المشكلة لم تكن في “التردد”، بل في غياب الوصول: فالفرد في ريف سيراليون كان يواجه رحلة ذهاب وعودة تستغرق 7 ساعات، بتكلفة تعادل ما يصل إلى 12 يوماً من أجره، فقط للحصول على جرعة لقاح.
عبء العزلة الجغرافية
يعيش ما بين 15 إلى 20% من سكان غرب إفريقيا على بُعد ساعة على الأقل من أقرب بلدة يزيد عدد سكانها عن 20 ألف نسمة. هذه العزلة تؤدي إلى حرمان ملايين البشر من الخدمات الأساسية:
المعلمون والأطباء يتغيبون عن المناطق النائية.
البنوك لا تجد جدوى من فتح فروع في قرى فقيرة.
العاملون في الإرشاد الزراعي نادراً ما يزورون المزارعين البعيدين، مما يضعف الإنتاجية.
وهكذا تصبح الجغرافيا عاملاً حاسماً في تراجع مؤشرات التعليم والصحة والدخل.
التكنولوجيا كسد للفجوة
مع جائحة كورونا، أصبح الجميع “عن بُعد”، الأمر الذي حفّز الابتكار في إيصال الخدمات بطرق جديدة. في خمس دول نامية، جُرّبت حصص دراسية فردية عبر الهاتف المحمول للطلاب، وأظهرت التجربة تحسناً ملحوظاً في مستويات التعلم.
كما طرحت الجائحة سؤالاً عملياً: كيف تصل المساعدات المالية إلى الأسر الفقيرة في دول مثل توغو أو بنغلاديش، حيث لا سجلات ضريبية؟
أنماط استخدام الهاتف كمفتاح للفقر
يُظهر تحليل بيانات الاتصالات أن الفقراء والأغنياء يستخدمون هواتفهم بطرق مختلفة:
الفقراء غالباً ما يشحنون الرصيد بمبالغ صغيرة ومتكررة.
الأغنياء يستهلكون بيانات أكثر ولديهم شبكات اتصالات أوسع.
بفضل الذكاء الاصطناعي، يمكن لشركات الاتصالات توقع مستويات الفقر بين المشتركين بدقة معقولة، ومن ثم مشاركة هذه البيانات مع الحكومات لتوجيه الدعم إلى الأكثر حاجة.
تجارب ناجحة على الأرض
في توغو، استُخدمت هذه التقنية خلال الجائحة لتوزيع مساعدات مالية مباشرة.
في بنغلاديش، أثبتت الخوارزميات القائمة على بيانات الهاتف فاعليتها في استهداف الأسر الفقيرة بكلفة أقل بكثير من الاستبيانات التقليدية.
منظمة GiveDirectly اعتمدت على هذا النهج لإيصال مساعدات إلى الأسر الأشد فقراً في المجتمعات المضيفة للاجئي الروهينغا.
نحو نموذج جديد للخدمات العامة
صحيح أن الهواتف المحمولة لا تستطيع حل أزمة اللقاحات التي تحتاج إلى نقل فعلي، لكنها فتحت الباب أمام خدمات مبتكرة مثل العيادات المتنقلة، أو إرشاد المزارعين عبر رسائل مخصصة مرتبطة بأحوال الطقس والآفات المحلية.
خيارات الحكومات بين التوطين والابتكار
تواجه الحكومات خيارين صعبين:
دفع الناس لمغادرة المناطق النائية كما تفعل الصين لتقليل كلفة الخدمات.
أو تبني حلول رقمية مثل استهداف الفقر عبر الهواتف المحمولة.
وبينما يبدو الخيار الأول مكلفاً إنسانياً واجتماعياً، يمنح الخيار الثاني فرصة لتخفيف الفقر وتحسين حياة الملايين بتكلفة أقل.