حوادث وقضايا

حرائق الغابات في أوروبا 2025: عام قياسي جديد يكرّس واقعًا مناخيًا مقلقًا

دخل الاتحاد الأوروبي رسميًا أخطر مواسم الحرائق منذ بدء تسجيل البيانات عام 2003، بعد أن تجاوزت المساحات المحترقة حتى الآن مليون هكتار (1,015,024 هكتار)، أي أكثر من أربعة أضعاف متوسط العقدين الماضيين لنفس الفترة، وذلك قبل شهر كامل من نهاية موسم الحرائق التقليدي. هذه الكارثة البيئية غير المسبوقة لا تعكس فقط حجم الدمار الحالي، بل تنذر أيضًا بواقع جديد أصبح يتكرر بوتيرة متسارعة مع تفاقم أزمة المناخ.

أرقام قياسية على عدة جبهات

بحسب بيانات النظام الأوروبي لمعلومات حرائق الغابات (EFFIS)، كُسر الرقم القياسي السابق المسجل عام 2017 (988,544 هكتار)، مع توقعات بارتفاع الأرقام أكثر خلال الأسابيع المقبلة.

لكن الخسائر لا تقتصر على الغابات وحدها:

الحرائق أطلقت 37 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، وهو ما يعادل الانبعاثات السنوية لدول متوسطة الحجم مثل البرتغال أو السويد.

سجّلت أيضًا ارتفاعات قياسية لتسعة أنواع من الملوثات الجوية، أبرزها الجزيئات الدقيقة (PM2.5) التي تُعتبر من أخطر مسببات الأمراض التنفسية والقلبية.آلاف السكان أُجبروا على إخلاء قراهم، وتحولت مزارع كاملة إلى ساحات رماد.

 

الأسباب: بين المناخ وتغير استخدام الأراضي

تؤكد العالمة الإسبانية كريستينا سانتين نونيو أن ما يحدث ليس مفاجئًا، بل نتيجة “شروط مثالية” أصبحت تتكرر بفعل التغير المناخي وسوء إدارة الأراضي.

تشمل هذه “الشروط المثالية”:

موجات حر أطول وأشد مرتبطة بارتفاع حرارة الكوكب بسبب الوقود الأحفوري.

ربيع رطب بشكل غير اعتيادي في إسبانيا والبرتغال أدى إلى نمو مفرط للأعشاب والنباتات، والتي تحولت لاحقًا إلى وقود جاف خلال موجات الحر.

ظروف جوية غير مستقرة ساعدت على تشكّل ما يُعرف بـ”عواصف النار” Fire storms، حيث يولّد الحريق نفسه رياحًا تزيد من انتشاره.المهندس الغابوي فيكتور ريسكو دي ديوس أشار إلى أن “الجو العطِش” بسبب الحرارة المتراكمة جعل النباتات أكثر عرضة للاحتراق، فيما أدت الاضطرابات الجوية إلى توسع الحرائق بشكل انفجاري.

 

الأثر الصحي: الضحايا الخفيون

 

حتى الآن، تأكدت وفاة أكثر من عشرة أشخاص مباشرة بسبب النيران. لكن العلماء يحذرون من أن الحصيلة الحقيقية أعلى بكثير، لأن الدخان والملوثات الدقيقة تتسبب في وفيات صامتة على المدى القصير والطويل.

دراسة نشرت في مجلة The Lancet عام 2023 قدّرت أن تلوث هواء الحرائق تسبب في 111,000 وفاة سنويًا في أوروبا وروسيا بين 2000 و2019. ومع الأرقام القياسية الحالية للملوثات، من المرجح أن 2025 ستترك أثرًا وبائيًا أخطر.

 

بعد محلي وقاري وعالمي

في إسبانيا والبرتغال، وصلت انبعاثات الحرائق إلى أعلى مستوى منذ 23 عامًا، بحسب خدمة كوبرنيكوس الأوروبية لمراقبة الغلاف الجوي.

الدخان لم يتوقف عند حدود شبه الجزيرة الإيبيرية، بل تفاقم مع دخان قادم من حرائق كندا عبر الأطلسي، مما ضاعف أزمة تلوث الهواء في فرنسا وحتى شمال أوروبا.بعض الخبراء يشيرون إلى أن أوروبا أصبحت تعيش “حزام حرائق” يمتد من البحر المتوسط وصولًا إلى مناطق أكثر برودة لم تكن معتادة على مثل هذه الكوارث.

 

الاقتصاد والمجتمع: مزارعون يتحولون إلى رجال إطفاء

أجبرت الحرائق مئات القرى على الإخلاء، وأصبح المزارعون في العديد من المناطق، خصوصًا في اليونان وإسبانيا، خط الدفاع الأول ضد النيران. كثير منهم وصف الوضع بأنه “حرب يومية” بين الحفاظ على أراضيهم ومغادرتها للأبد.

القطاع الزراعي يواجه خسائر هائلة:

دمار في مزارع الزيتون والعنب، وهما ركيزتان أساسيتان للاقتصاد الزراعي في المتوسط.

تراجع الإنتاجية الزراعية بسبب تدهور التربة والرماد السام.

التوقعات المستقبلية: نحو “الوضع الطبيعي الجديد”

الخبراء يحذرون من أن 2025 ليست حدثًا استثنائيًا فريدًا، بل علامة فارقة على ما سيأتي. تقول نونيو:

“من المرجح جدًا أن يُكسر الرقم القياسي لعام 2025 مجددًا خلال بضع سنوات. هذه هي الحقيقة الجديدة.”هذا يعني أن أوروبا بحاجة عاجلة إلى:

تعزيز خطط الوقاية وإدارة الغابات (إزالة الأعشاب الجافة، إنشاء ممرات عازلة).

الاستثمار في فرق مكافحة الحرائق، خاصة الجوية منها.

سياسات مناخية أكثر جرأة لخفض الانبعاثات المسببة لتفاقم الحرارة والجفاف.

تعزيز وعي المجتمعات المحلية حول التكيف مع “موسم حرائق أطول وأخطر”.

 

خاتمة

كارثة 2025 لا تُقاس فقط بمساحة الأرض المحترقة أو كميات الكربون المنبعثة، بل بما تمثله من تأكيد صارخ على ترابط أزمة المناخ والصحة العامة والاقتصاد. أوروبا اليوم تواجه واقعًا جديدًا: مواسم حرائق لم تعد نادرة بل متكررة، أرقام قياسية تُكسر باستمرار، وآثار تمتد من القرى الزراعية الصغيرة إلى سماء القارة بأكملها.

“كلما أسرعنا في الاعتراف بهذه الحقيقة واتخاذ خطوات للتكيف والوقاية، كان مستقبلنا أقل قتامة”، هكذا يلخص الخبراء الموقف. لكن حتى الآن، يظل موسم 2025 جرس إنذار عالمي بأن الكارثة المناخية لم تعد قضية مستقبلية، بل حاضرًا يوميًا يتسع نطاقه.

 

إقرأ أيضا:

محكمة استئناف نيويورك تلغي غرامة مدنية بـ500 مليون دولار ضد ترامب وتبقي الباب مفتوحًا أمام الطعون

إسراء حموده ابوالعنين

إسراء أبو العنين صحفية مصرية «تحت التمرين»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى