عربي وعالمي

كوريا الشمالية والحرب في أوكرانيا: بين التحالف العسكري والدعاية السياسية

في خطوة لافتة، أشاد الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالجنود الذين قاتلوا إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا، واصفًا إياهم بـ”الأبطال”، وذلك خلال احتفال رسمي في بيونغيانغ تضمن حفلاً موسيقيًا وبانكيتًا لعائلات القتلى. جاء هذا التكريم في أعقاب عودة وحدة من القوات الكورية الشمالية التي شاركت في معارك استعادة السيطرة على منطقة كورسك الروسية، والتي كان الجيش الأوكراني قد نجح العام الماضي في التوغل داخلها.

دلالات الخطاب الرسمي في بيونغيانغ

كيم جونغ أون أكد في كلمته أن “الأنشطة القتالية للقوات العملياتية في الخارج أثبتت دون شك قوة الجيش الكوري الشمالي”، وهو تصريح يعكس تحوّلًا كبيرًا في طريقة تعاطي بيونغيانغ مع مشاركتها في الحرب الأوكرانية.

في البداية، سعت كوريا الشمالية إلى التكتم الشديد على حجم وجودها العسكري في روسيا، لكنّها اليوم تعرضه بفخر على الملأ، بل وتستخدمه كوسيلة للدعاية الداخلية ولتعزيز شرعية النظام عبر:

تقديم الجنود كرموز للتضحية الوطنية.

إظهار كوريا الشمالية كقوة عسكرية دولية قادرة على التأثير في صراعات كبرى.

تغذية خطاب المقاومة التاريخية، عبر استدعاء رمزية الحرب ضد الاستعمار الياباني والتعاون مع الاتحاد السوفييتي.

البعد الروسي: تحالف يتعمّق

تأتي هذه الاحتفالات بعد أيام من رسالة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وصف فيها الجنود الكوريين الشماليين بـ”الأبطال”، مؤكدًا أن “روابط الصداقة العسكرية التي توطدت في الحرب العالمية الثانية ما تزال صامدة”.

هذه اللغة ليست مجرد مجاملة، بل تعكس:

تزايد اعتماد روسيا على الدعم الكوري الشمالي، سواء عبر الإمدادات العسكرية (قذائف مدفعية، صواريخ، راجمات بعيدة المدى) أو عبر القوات البشرية.

رغبة موسكو في إظهار أن لديها تحالفات عسكرية نشطة في مواجهة الدعم الغربي الواسع لأوكرانيا.

تعزيز سردية “التحالف المناهض للغرب”، التي تجمع موسكو وبيونغيانغ (ومعها بكين بدرجة أقل) في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها.

الأرقام: حجم المشاركة الكورية الشمالية

بحسب مصادر استخباراتية غربية وكورية جنوبية:

تم إرسال أكثر من 10,000 جندي كوري شمالي إلى منطقة كورسك في 2024، ثم ارتفع العدد إلى نحو 15,000 جندي.

قتل حوالي 600 جندي كوري شمالي حتى أبريل 2025.

إلى جانب القوات البرية، زوّدت بيونغيانغ روسيا بذخائر مدفعية وصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، في وقت تواجه فيه موسكو استنزافًا كبيرًا في مخزونها من الأسلحة.

الأهداف الاستراتيجية لبيونغيانغ

من منظور كوريا الشمالية، المشاركة في الحرب ليست مجرد تضامن سياسي مع موسكو، بل تمثل:

فرصة لاكتساب خبرة قتالية مباشرة في حرب تقليدية واسعة النطاق، قد تُستخدم لاحقًا في مواجهة كوريا الجنوبية أو القوات الأمريكية في شبه الجزيرة الكورية.

تحقيق مكاسب اقتصادية عبر الحصول على شحنات غذائية، وقود، وربما مساعدات تكنولوجية روسية.

تعزيز مكانتها الدبلوماسية، عبر فرض نفسها كحليف عسكري فاعل في الساحة الدولية، وليس مجرد دولة معزولة.

الدعاية الداخلية: صناعة البطولة

الاحتفالات التي أقيمت في بيونغيانغ – من وضع الزهور على نصب تذكارية، إلى حفلات موسيقية مخصصة للعائدين – تهدف قبل كل شيء إلى:

تثبيت صورة الجيش كقوة مقدسة تحمل عبء الدفاع عن الأمة حتى خارج حدودها.

إقناع الشعب الكوري الشمالي بأن التضحيات الخارجية مرتبطة مباشرة ببقاء الدولة وأمنها.

توجيه رسالة للداخل والخارج بأن كوريا الشمالية لم تعد في موقع الدفاع فقط، بل قادرة على المشاركة في صراعات كبرى على مستوى عالمي.

التداعيات الإقليمية والدولية

في شبه الجزيرة الكورية:

الخبرة القتالية المكتسبة قد تعزز من خطورة الجيش الكوري الشمالي في أي مواجهة مستقبلية مع كوريا الجنوبية.

سيول تعتبر هذا التطور تهديدًا مباشرًا وتكثّف تدريباتها العسكرية المشتركة مع الولايات المتحدة.

في العلاقات الدولية:

مشاركة قوات كورية شمالية في حرب أوكرانيا تمثل سابقة خطيرة لانخراط دول معزولة في صراعات عالمية، ما قد يشجع تحالفات مماثلة في المستقبل.

تكريس محور عسكري “مناهض للغرب” يجمع روسيا، كوريا الشمالية، وربما إيران بدرجة معينة.

على مستوى القانون الدولي:

وجود قوات كورية شمالية على أرض أوكرانية – حتى لو داخل الأراضي الروسية المحتلة – يثير تساؤلات حول شرعية التدخلات العسكرية العابرة للحدود.

خاتمة

إشادة كيم جونغ أون بجنوده العائدين من أوكرانيا ليست مجرد تكريم عسكري، بل جزء من استراتيجية أكبر تهدف إلى:

تعميق التحالف مع موسكو.

تعزيز صورة النظام داخليًا عبر صناعة “بطولة خارجية”.

الاستفادة من الحرب الأوكرانية كـ”مختبر قتالي” لمراكمة خبرة عسكرية ونفوذ سياسي.

لكن في المقابل، هذا التوجه يثير مخاوف متزايدة لدى جيران كوريا الشمالية وحلفاء أوكرانيا، إذ إن جيشًا أكثر خبرة وصلابة في بيونغيانغ يعني أن شبه الجزيرة الكورية قد تصبح في المستقبل أكثر توترًا وخطورة.

اقرا ايضا

مصر تتفاوض مع كوريا الجنوبية على منظومة صواريخ متقدمة 

نيرة احمد

نيرة أحمد صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى