ماذا يمكن أن تعلّم فنلندا أوكرانيا عن الحرب والسلام؟

الرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب يرى أن كييف قادرة على تكرار تجربة بلاده
حين يقرأ المرء تفاصيل الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، قد يخيل إليه أن التاريخ يعيد نفسه. قبل ثمانية عقود تقريبًا، وجدت فنلندا نفسها في مواجهة مشابهة: ستالين طالب بأراضٍ، نفّذ عملية “راية كاذبة” ثم غزا متوقعًا حسم الحرب خلال أسبوعين. الغرب وعد بالدعم لكنه تقاعس، وفي النهاية اضطرت هلسنكي عام 1944 للتنازل عن عُشر أراضيها والقبول بالحياد الدائم. ومع ذلك، خرجت فنلندا مستقلة وديمقراطية، ونجحت لاحقًا في بناء واحدة من أنجح التجارب الأوروبية.
ستوب: من الهزيمة إلى الانتصار
ألكسندر ستوب، الرئيس الفنلندي الحالي، يستحضر تلك الحقبة بوصفها مصدر إلهام لا هزيمة. “لقد احتفظنا باستقلالنا، وهذا هو الانتصار الحقيقي”، قال في لقاء مع الإيكونوميست. ومن البيت الأبيض الشهر الماضي، أكّد لنظرائه الغربيين أن “الحل الذي وجدته فنلندا عام 1944 يمكن أن يتكرر في 2025 لإنهاء حرب روسيا ضد أوكرانيا”.
مانرهايم والبراغماتية القاسية
الجنرال كارل غوستاف مانرهايم، الذي قاد الجيش الفنلندي، جسّد معادلة “القتال حتى النهاية ثم قبول السلام المر”. فرغم شراسة المقاومة في حرب الشتاء (1939–1940)، لم يكن أمام بلاده خيار سوى التنازل عن أراضٍ كاريليا ونصف بحيرة لادوجا، والسماح للاتحاد السوفييتي باستئجار قاعدة بحرية قرب هلسنكي. كثيرون وصفوا ذلك بالهزيمة، لكن بالنسبة للفنلنديين كان ثمنًا لبقاء الوطن.
من “الفنلدة” إلى نموذج للواقعية
بعد الحرب، اختارت فنلندا طريقًا براغماتيًا: تجنبت استفزاز موسكو، وحيّدت نفسها سياسيًا، فيما ركّزت على بناء الداخل عبر التعليم والرعاية الاجتماعية وسيادة القانون. هذا النهج، الذي أطلق عليه لاحقًا “الفنلدة”، بدا للبعض خضوعًا، لكنه وفّر بيئة للاستقرار والتقدم. ومع مرور الزمن، عزّزت فنلندا قدراتها الدفاعية بنظام “الدفاع الشامل”، القائم على الخدمة الوطنية الإلزامية والاحتياط الواسع، ما منحها قوة ردع فريدة حتى قبل انضمامها إلى الناتو عام 2023.
دروس لأوكرانيا
اليوم، يرى ستوب أن أوكرانيا تقف في وضع أفضل مما كانت عليه فنلندا عام 1944. فهي تمتلك دعمًا دوليًا، حلفاء يقدّمون مساعدات مالية وعسكرية، وأفقًا للاندماج في المنظومات الغربية. لكن مستقبلها يتوقف، في رأيه، على خيار داخلي حاسم: إمّا الانغماس في الحداد على خسائرها والشكوى من لا عدالة العالم، أو “جمع القطع وإعادة البناء، والإيمان بالمستقبل عبر اجتثاث الفساد، وتعزيز الحرية والعدالة الاجتماعية، وقتل السخرية”.
بين الواقعية والأمل
قد لا يكون السلام المفروض على أوكرانيا، إذا جاء، “عادلاً” بالمطلق. لكن تجربة فنلندا تبرهن أن الهزيمة الجزئية لا تعني نهاية الكيان أو الديمقراطية. بل قد تكون نقطة بداية لصياغة عقد اجتماعي جديد، أكثر صلابة وقدرة على الصمود.



