عربي وعالمي

تحقيق جنائي يطال حاكمة الاحتياطي الفيدرالي ليزا كوك: بين ضغوط ترامب واستقلالية البنك المركزي

دخلت المعركة بين إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مرحلة جديدة بعد أن أعلن وزارة العدل فتح تحقيق جنائي ضد حاكمة الفيدرالي ليزا كوك، وسط اتهامات تتعلق بتقديم معلومات مضللة في طلبات رهن عقاري. يأتي ذلك في وقت يواصل فيه ترامب مساعيه الحثيثة لتعزيز نفوذه داخل البنك المركزي، في خطوة يعتبرها مراقبون تهديدًا مباشرًا لاستقلاليته التاريخية.

القضية تحمل أبعادًا سياسية واقتصادية خطيرة، فبينما ترى إدارة ترامب أن لها الحق في إقالة كوك واستبدالها بأحد حلفائه، يؤكد محاموها أن هذه الخطوة محاولة “مفبركة” لإخلاء مقعد في مجلس الاحتياطي الفيدرالي من أجل إعادة تشكيله بما يخدم أجندة البيت الأبيض. ومن المنتظر أن تتحول المعركة القانونية إلى اختبار غير مسبوق لحدود صلاحيات الرئيس على واحدة من أهم المؤسسات النقدية في العالم، في ظل حساسيات اقتصادية داخلية وضغوط خارجية مرتبطة بالسياسة النقدية وأسعار الفائدة.

 

اتهامات الاحتيال العقاري وفتح التحقيق

بدأت وزارة العدل الأمريكية تحقيقًا جنائيًا يستهدف ليزا كوك بعد تلقيها إحالتين جنائيتين من بيل بولتي، مدير وكالة التمويل العقاري الفيدرالية المعيّن من ترامب. الاتهامات تتركز حول مزاعم بتضليل البنوك بشأن وضع بعض عقاراتها في ميشيغان وأتلانتا، من خلال الإشارة إلى أكثر من عقار كـ“إقامة أساسية”، وهو ما يتيح شروطًا تفضيلية للقروض مثل خفض الفائدة. ورغم أن مثل هذه الحالات تحتاج إلى إثبات نية احتيالية تتجاوز مجرد أخطاء في الأوراق، إلا أن فتح الملف في هذا التوقيت يثير تساؤلات حول دوافع سياسية واضحة، خاصة وأن بولتي وحلفاء ترامب يروّجون لهذه الاتهامات باعتبارها سببًا كافيًا لإقالة كوك.

 

المواجهة القانونية بين كوك وترامب

ردّت كوك على هذه التطورات بتقديم دعوى قضائية ضد ترامب، مؤكدة أن قرار إقالتها لا يستند إلى أساس قانوني بل هو محاولة صريحة لزعزعة استقلالية الفيدرالي. محاموها شددوا على أن الرئيس “اختلق ذريعة” لطردها بغرض ملء المقعد بشخصية موالية له، الأمر الذي يتيح للإدارة السيطرة على أغلبية داخل مجلس المحافظين. في المقابل، تستند إدارة ترامب إلى نص قانون الاحتياطي الفيدرالي الذي يسمح للرئيس بإقالة الأعضاء “لأسباب موجبة”، معتبرة أن شبهات الاحتيال العقاري تندرج تحت هذا البند. هذه المواجهة القانونية مرشحة لأن تصبح ساحة اختبار حقيقية للفصل بين صلاحيات السلطة التنفيذية وحرية البنك المركزي.

 

رد وزارة العدل والطعن في دفوع كوك

في مذكرة قضائية حديثة، رفض محامو وزارة العدل دفاع كوك بأن المخالفات المزعومة كانت معروفة قبل تعيينها، مشيرين إلى أن وجود هذه المعلومات لا ينفي خطورتها. وأضافوا أن منح كوك فرصة إضافية للرد على قرار الإقالة لم يكن ليغير النتيجة، قائلين إن “فرصة عرض وجهة النظر لا معنى لها إذا لم يكن هناك ما يُعرض من الأساس”. هذه اللغة الحادة من جانب الوزارة تعكس تقاطع القانون بالسياسة، وتفتح الباب أمام احتمال أن يُنظر إلى القضية باعتبارها وسيلة لإضفاء الشرعية على مساعي ترامب في إعادة تشكيل الفيدرالي، لا مجرد قضية جنائية عادية.

 

تأثيرات محتملة على هيكلة مجلس الفيدرالي

نجاح ترامب في إقالة كوك واستبدالها بأحد حلفائه سيعني أن غالبية مقاعد مجلس الفيدرالي ستصبح بيد البيت الأبيض. بالفعل، أعلن ترامب في تصريحات سابقة أن “الأغلبية قادمة قريبًا”، في إشارة إلى قدرته على إعادة توجيه السياسة النقدية وفق رؤيته. هذا السيناريو يثير قلق الأسواق والمستثمرين الذين يخشون أن يتحول البنك المركزي إلى أداة سياسية بيد الرئيس، ما قد يضعف استقلاليته التاريخية ويغير من آليات اتخاذ القرار بشأن أسعار الفائدة والسياسات النقدية.

 

خلفيات سياسية ودور شخصيات موالية لترامب

يقود التحقيق إد مارتن، المسؤول بوزارة العدل المعروف بقربه من ترامب، والذي سبق أن عُيّن مدعيًا عامًا في واشنطن لكنه فشل في الحصول على تأييد الجمهوريين بسبب مواقفه المثيرة للجدل. تكليفه بهذه القضية يعزز الشكوك حول الطابع السياسي للتحقيق، خاصة وأنه سبق أن أبدى تعاطفًا مع متهمين في أحداث اقتحام الكونغرس عام 2021. وجود مثل هذه الشخصيات في صدارة التحقيقات يعطي الانطباع بأن العملية ليست فقط قانونية بل تحمل أهدافًا سياسية أوسع، في إطار صراع ترامب مع خصومه داخل مؤسسات الدولة.

 

سوابق تحقيقات ضد خصوم ترامب

قضية كوك ليست معزولة؛ فهي تأتي ضمن سلسلة من التحقيقات التي طالت شخصيات بارزة عُرفت بانتقادها لترامب مثل المدعية العامة في نيويورك ليتيشيا جيمس والسيناتور الديمقراطي آدم شيف. جميع هذه التحقيقات ارتبطت باتهامات مشابهة تتعلق بالرهن العقاري أو قضايا مالية، ما عزز الانطباع بوجود استراتيجية أوسع من قبل إدارة ترامب لاستخدام وزارة العدل كأداة ضغط على خصومه السياسيين. هذا النمط المتكرر يزيد من حساسية الملف ويغذّي المخاوف بشأن تسييس العدالة في الولايات المتحدة.

 

تفاصيل مثيرة حول الرهون العقارية

بحسب التحقيقات، قامت كوك في عام 2021 بالإشارة إلى منزلين منفصلين، أحدهما في آن آربر بميشيغان والآخر في أتلانتا، على أنهما مقرها الرئيسي في نفس الوقت. كما وُجهت لها اتهامات بوجود مخالفات في قرض لشراء شقة في كامبريدج بماساتشوستس، والتي استُخدمت كمصدر دخل إيجاري رغم تسجيلها كمنزل ثانوي. ورغم أن بعض هذه الممارسات قد تكون قانونية في ظروف معينة، إلا أنها تطرح علامات استفهام حول مدى التزام كوك بالقواعد، وهو ما تستغله إدارة ترامب لتبرير موقفها من القضية.

 

انعكاسات أوسع على النظام المالي والسياسي

بعيدًا عن تفاصيل التحقيق، تعكس القضية معركة أعمق بين السلطة التنفيذية واستقلالية المؤسسات المالية. فالمساس بمجلس الاحتياطي الفيدرالي قد يزعزع ثقة المستثمرين العالميين في حيادية السياسات النقدية الأمريكية، بينما داخليًا قد يعزز انقسام المجتمع السياسي بين من يرى في ترامب مصلحًا ومن يعتبره خطرًا على أسس الديمقراطية. وفي حال نجاحه في فرض سيطرته على الفيدرالي، سيكون لذلك تداعيات تتجاوز الولايات المتحدة لتطال الأسواق العالمية، التي تعتمد على قرارات البنك المركزي الأمريكي كمرجعية أساسية في السياسة المالية.

 

إقرأ أيضا:

تقرير: ماليزيا تختبر النسخة المطورة من مركبة القتال K200

إسراء حموده ابوالعنين

إسراء أبو العنين صحفية مصرية «تحت التمرين»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى