تقرير الجارديان: ترامب وإعادة تسمية البنتاغون إلى “وزارة الحرب”

في خطوة تثير جدلاً واسعًا داخل الولايات المتحدة وخارجها، يستعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإصدار أمر تنفيذي يعيد تسمية وزارة الدفاع الأمريكية إلى “وزارة الحرب”. القرار، الذي وصفه البيت الأبيض بأنه محاولة “لإضفاء طابع رسمي على التغيير دون الحاجة إلى موافقة الكونغرس”، يأتي في سياق سياسي مشحون يعكس مزيجًا من الرمزية التاريخية والسعي لترسيخ صورة أكثر عدوانية للجيش الأمريكي. وبينما يروّج ترامب للفكرة باعتبارها استعادة لمجد الانتصارات العسكرية في الحربين العالميتين، يرى منتقدوه أن الخطوة تحمل أبعادًا خطيرة قد تزيد من عسكرة الخطاب السياسي وتناقض مزاعمه المتكررة بأنه يستحق جائزة نوبل للسلام.
عودة المصطلح القديم “وزارة الحرب” بعد أكثر من سبعة عقود على إلغائه تُعد رسالة مزدوجة: من جهة تستحضر القوة الأمريكية التقليدية، ومن جهة أخرى تكشف عن نزعة لإعادة صياغة المؤسسات بلغة القوة بدلًا من الدفاع. هذا التحول في المفردات السياسية لا يقف عند حدود الشكل، بل يعكس صراعًا أعمق حول هوية الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين، وما إذا كانت ستُعرّف نفسها كقوة رادعة تسعى لحماية النظام الدولي، أم كإمبراطورية عسكرية صريحة لا تخجل من تسمية الأشياء بأسمائها.
البعد التنفيذي للقرار
قرار ترامب لا يمر عبر القنوات التشريعية المعتادة، بل يأتي عبر أمر تنفيذي يفرض استخدام مصطلح “وزارة الحرب” كلقب ثانوي رسمي. هذا الأسلوب يعكس رغبة الإدارة في الالتفاف على القيود الدستورية، حيث إن تغيير اسم وكالة فدرالية يتطلب عادةً تشريعًا من الكونغرس. لكن ترامب يعتمد على سلطة الرئيس في توجيه المؤسسات التنفيذية لاستخدام تسميات جديدة في المراسلات والوثائق الداخلية والخارجية. بذلك، يضع سابقة مثيرة للجدل، إذ يُظهر كيف يمكن للبيت الأبيض إعادة تشكيل الخطاب الرسمي بمجرد ضربة قلم رئاسية، حتى لو كان التغيير أقرب إلى الرمزية منه إلى القانونية.
الأبعاد التاريخية للاسم
إحياء “وزارة الحرب” ليس مجرد مصطلح قديم؛ بل هو استدعاء لفترة تاريخية لعبت فيها الولايات المتحدة دورًا حاسمًا في الحربين العالميتين. الاسم ارتبط بانتصارات عسكرية كبرى صنعت صورة القوة الأمريكية في القرن العشرين. غير أن هذه التسمية أُلغيت عام 1949 عندما أعيد تنظيم القوات المسلحة لتصبح تحت مظلة “وزارة الدفاع”، في محاولة لتعكس تحولًا في الذهنية الأمريكية نحو حماية الأمن القومي بدلًا من خوض الحروب. إعادة ترامب لهذا الاسم تُعتبر انقلابًا رمزيًا على هذه الفلسفة، وإعلانًا بأن أمريكا في عهده تريد أن تُعرّف نفسها مجددًا من خلال القوة الهجومية لا الدفاعية.
الرسالة الموجهة للعالم
يقدّم ترامب هذا التغيير باعتباره جزءًا من “إظهار القوة” في السياسة الخارجية. بالنسبة له، عودة الاسم القديم تحمل رسالة بأن الولايات المتحدة ليست فقط قوة ردع، بل قوة حرب جاهزة للهجوم. هذه الرسالة موجهة بدرجة كبيرة إلى الخصوم الدوليين، من الصين وروسيا إلى إيران وكوريا الشمالية. غير أن هذه الخطوة قد تُفسَّر في الخارج كتصعيد لغوي يبرر عسكرة أكبر للنزاعات الجيوسياسية، وربما يدفع الدول الأخرى إلى اتخاذ خطوات مضادة. في عالم متوتر بالفعل، قد يكون لاختيار الكلمات نفس تأثير الأفعال العسكرية على حسابات الردع والتحالفات الدولية.
التناقض مع خطاب “السلام”
من المفارقات البارزة أن ترامب يدفع باتجاه إعادة وزارة الدفاع إلى “وزارة الحرب”، بينما يكرر في الوقت نفسه أنه يستحق جائزة نوبل للسلام بسبب مساعيه لإنهاء صراعات في الشرق الأوسط وأوكرانيا. هذا التناقض يضعف مصداقية روايته، إذ كيف يمكن لرئيس يسعى للسلام أن يُعيد إحياء لغة الحرب في مؤسساته الرسمية؟ النقاد يرون أن هذا التغيير يكشف طبيعة خطاب ترامب الذي يوازن بين استعراض القوة داخليًا واستغلال شعارات السلام خارجيًا. في النهاية، يتجلى التناقض في صورة رئيس يريد أن يُذكر كصانع سلام عالمي، لكنه في الوقت ذاته يعيد تشكيل البنتاغون كأداة للحرب الصريحة.
البعد السياسي الداخلي
داخل الولايات المتحدة، القرار ليس مجرد نقاش لغوي بل معركة سياسية تعكس الانقسام الحاد بين الجمهوريين والديمقراطيين. ترامب وحلفاؤه يرون في الخطوة وسيلة لإرضاء قاعدته الانتخابية التي تثمّن “القوة” وتحنّ إلى ماضٍ مليء بالانتصارات. بينما يرى خصومه الديمقراطيون أن إعادة الاسم تمثل استعراضًا عدائيًا يتعارض مع المبادئ الدستورية والرمزية الأمريكية الحديثة. ومن المتوقع أن يصبح الموضوع ورقة سياسية ساخنة في الحملات المقبلة، خاصة إذا حاول البيت الأبيض الدفع بتشريع رسمي لترسيخ التغيير.
رمزية اليوم الـ200 من الولاية
البيت الأبيض اختار بعناية لحظة إصدار القرار لتتزامن مع مرور 200 يوم على بداية الولاية الثانية لترامب. هذه الرمزية تعكس رغبة في ترسيخ إنجاز دعائي يُظهر أن الرئيس لا يكتفي بالوعود بل يتخذ خطوات ملموسة تعيد تعريف المؤسسات. إنها محاولة لكتابة فصل جديد في إرث ترامب السياسي، حيث لا يُنظر إلى “وزارة الحرب” كإصلاح إداري، بل كعلامة على “عودة أمريكا القوية”. بهذه الطريقة، يتم استثمار التوقيت في تعزيز صورة الرئيس أمام مؤيديه وإرسال رسالة داخلية مفادها أن عهده يتميز بقرارات جريئة غير تقليدية.
انعكاسات على الثقافة السياسية الأمريكية
إعادة استخدام لغة “الحرب” بدلاً من “الدفاع” قد تترك أثرًا طويل الأمد على الثقافة السياسية الأمريكية. الكلمات التي تستخدمها الدولة في وصف مؤسساتها لا تعكس الواقع فحسب، بل تساهم في تشكيله. تسمية “وزارة الدفاع” ساعدت لعقود في إضفاء شرعية على التدخلات العسكرية باعتبارها دفاعًا عن الأمن القومي، حتى لو كانت في أراضٍ بعيدة. لكن مصطلح “وزارة الحرب” قد يجعل من الصعب تبرير هذه العمليات كأفعال دفاعية، بل يضعها في إطار هجومي صريح. بهذا المعنى، قد يؤدي التغيير إلى إعادة تعريف كيفية مناقشة السياسات الخارجية في واشنطن.