الوكالات

استقالة أنجيلا راينر.. زلزال سياسي يضرب حكومة ستارمر ويكشف أزمات أعمق

شهدت حكومة كير ستارمر واحدة من أعنف الهزات منذ وصولها إلى السلطة، بعدما أعلنت أنجيلا راينر استقالتها من منصب نائبة رئيس الوزراء ونائبة زعيم حزب العمال، في خطوة وصفت بأنها “قنبلة سياسية” تهدد تماسك الحزب ومستقبله في الحكم. تأتي هذه الاستقالة في وقت بالغ الحساسية، إذ يعاني حزب العمال من تراجع واضح في شعبيته رغم فوزه الكاسح قبل عام واحد فقط، ويواجه تحديات اقتصادية خانقة ومؤشرات على فقدان الثقة في قدرته على إدارة البلاد.

ورغم محاولات رئاسة الوزراء التخفيف من وقع الاستقالة عبر إجراء تعديل وزاري سريع، إلا أن تأثير غياب راينر يتجاوز مجرد شاغل منصب؛ فهي لم تكن مجرد وزيرة بارزة، بل رمز سياسي واجتماعي يمثل الرابط بين الحزب وقواعده الشعبية التقليدية، ووجه يملك قدرة نادرة على التواصل مع الطبقات العاملة والناخبين الذين يشعرون بالاغتراب عن النخب السياسية.

الأزمة الحالية لا تقتصر على صورة الحكومة فحسب، بل تفتح الباب أمام معارك داخلية تهدد بانقسام الحزب بين تياراته المختلفة، وتعيد طرح الأسئلة الكبرى حول توجهاته الاستراتيجية. فهل يستطيع ستارمر الصمود أمام هذه العاصفة، أم أن استقالة راينر ستكون بداية انحدار مبكر لحكومته؟

أزمة الثقة في حكومة ستارمر

تسببت استقالة راينر في ضربة مباشرة لثقة الرأي العام في حكومة العمال. فالاستقالات المرتبطة بفضائح مالية أو شخصية تعطي انطباعًا بأن الإدارة تعاني من خلل عميق في الكفاءة والالتزام بالمعايير الأخلاقية. المعارضة استغلت هذه اللحظة لتأكيد أن ستارمر لم يحقق وعوده ببناء حكومة نظيفة وشفافة. وبالنسبة للناخبين، فإن سقوط شخصية بهذا الحجم يعزز الشعور بأن الحكومة تفقد توازنها، وأن ما كان يُقدَّم باعتباره “قيادة مستقرة” يتحول تدريجيًا إلى إدارة مأزومة غير قادرة على تجنب الأخطاء الفادحة.

المقارنة مع تجربة بلير وماندلسون

يحاول المقربون من ستارمر تذكيره بأن توني بلير واجه استقالة مبكرة لبيتر ماندلسون في 1998 ولم يدفع ثمنًا سياسيًا كبيرًا. غير أن المقارنة سرعان ما تنهار عند النظر للظروف المختلفة؛ فبلير كان يقود حكومة قوية واقتصادًا مزدهرًا، بينما يعاني ستارمر من تراجع معدلات النمو وتآكل الشعبية. الفارق الأكبر أن بلير كان يمتلك شخصية كاريزمية وقدرة على صياغة رواية سياسية مقنعة، وهو ما يفتقده ستارمر اليوم.

أزمة المصداقية والفساد السياسي

القضية التي دفعت راينر للاستقالة – دفع ضرائب أقل بـ40 ألف جنيه – تعيد إلى الأذهان فضائح قبول الهدايا والتذاكر المجانية التي طاردت حكومة العمال منذ بدايتها. هذه القضايا تغذي رواية المعارضة بأن حكومة ستارمر ليست أفضل من المحافظين الذين اتُّهموا بالفساد في عهد بوريس جونسون. مثل هذه الانطباعات تُضعف بشدة أي محاولة لإقناع الناخبين بأن العمال يمثلون قطيعة مع ممارسات الماضي.

غياب الكاريزما وصدمة صورة ستارمر

بنى ستارمر صورته السياسية على كونه “البديل النزيه” لخصومه المحافظين. لكنه يفتقد القدرة على الإقناع الجماهيري أو تقديم خطاب عاطفي يجذب الناخبين. ومع استقالة راينر – التي كانت تملك القدرة على التواصل المباشر مع القواعد الشعبية – يجد ستارمر نفسه مكشوفًا. إذ تبرز الأزمة ليس فقط كمسألة إدارية، بل كتهديد مباشر لصورته الشخصية بوصفه قائدًا صارمًا وملتزمًا بالقانون.

دور راينر كجسر مع الطبقة العاملة

تمثل راينر حالة استثنائية في السياسة البريطانية: قادمة من خلفية اجتماعية متواضعة، وتجسد قيم الصعود الاجتماعي التي يتبناها حزب العمال. كثيرون رأوا فيها الجسر بين النخب السياسية والناخبين العاديين، خاصة النساء من الطبقات العاملة. قدرتها على التحدث بلغة بسيطة وصادقة جعلتها أداة انتخابية ثمينة. غيابها يترك الحزب في مأزق حقيقي حول كيفية الحفاظ على صلته بالقواعد الشعبية التقليدية.

تأثير الاستقالة على وحدة الحزب

فتح غياب راينر الباب أمام خلافات داخلية قد تتحول إلى صراعات علنية. فموقع نائب زعيم الحزب يُنتخب من القواعد وليس بقرار من القيادة، ما يعني أن الحزب مقبل على سباق داخلي محموم قد يزيد الانقسامات. وإذا لم ينجح ستارمر في السيطرة على هذا المسار، فإن التشرذم الداخلي سيُضعف قدرة الحزب على مواجهة التحديات الخارجية.

تحدي الصراع الداخلي حول توجه الحزب

الحزب اليوم ممزق بين خيارين: الاستمرار في ملاحقة أصوات “الجدار الأحمر” المؤيدة للبريكست عبر خطاب متشدد حول الهجرة والأمن، أو التوجه نحو اليسار لاستعادة الناخبين الذين انجذبوا إلى الخضر أو لحركات جديدة يقودها جيريمي كوربن. استقالة راينر أطلقت العنان لهذا الصراع المكتوم، وقد يتحول إلى اختبار وجودي يحدد هوية الحزب في السنوات المقبلة.

الاستحقاقات القادمة كمفترق طرق

تأتي الأزمة قبل محطتين مصيريتين: مؤتمر حزب العمال والميزانية المقررة في نوفمبر. إذا فشل ستارمر في استغلالهما لإعادة صياغة سردية حكومته وبث الثقة في قدرته على القيادة، فإن الاستقالة ستصبح بداية لانهيار أكبر. أما إذا نجح في تجاوز الأزمة عبر خطاب مقنع وإصلاحات واضحة، فقد يتمكن من تحويل هذه المحنة إلى فرصة لإعادة رسم ملامح مشروعه السياسي.

اقرأ أيضاً:

نشأة شعبانة محمود بين بريطانيا والسعودية

يارا حمادة

يارا حمادة صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى