محمود خليل .. من مخيم اللجوء إلى سجون أمريكا: حكاية نفي لا ينتهي

لم يكن محمود خليل، الشاب الفلسطيني وخريج جامعة كولومبيا، يتخيّل أن يتحوّل حلمه الأمريكي إلى كابوس. ففي صباح ربيعي من عام 2025، وبينما كان عائدًا إلى منزله في مانهاتن مع زوجته الحامل، وجد نفسه محاصرًا برجال بملابس مدنية. بلا مذكرة توقيف، اختطفوه إلى معتقل “جينا” بولاية لويزيانا، أحد أقسى مراكز الاحتجاز التابعة لسلطات الهجرة الأمريكية.
من صوت الحرية إلى تهمة “تهديد الدولة”
جريمته الوحيدة لم تكن سوى رفع صوته عاليًا دفاعًا عن فلسطين، حين قاد احتجاجات طلابية داخل جامعة كولومبيا ضد الاستثمارات الداعمة للاحتلال. فجأة، أصبح المقيم الدائم القانوني في أمريكا متهمًا بـ”تهديد السياسة الخارجية الأمريكية”، في قضية أثارت عاصفة من الجدل في عهد الرئيس دونالد ترامب.
محاكمة بلا عدالة
في 11 أبريل، وقف محمود بزي السجن الأزرق داخل قاعة محكمة صغيرة تبعد أكثر من 1600 كيلومتر عن أسرته. استمع لقرار ترحيله بسبب “مواقفه السياسية”، ثم طلب الكلمة وقال للقاضي بجرأة:
“تحدثتم كثيرًا عن العدالة، لكنني لم أرَ شيئًا منها هنا.”
كانت القضية بالنسبة له مسرحية مُعدة سلفًا، بلا فرصة حقيقية للدفاع.
طفولة في مواجهة النار
هذه لم تكن أول مرة يواجه فيها قسوة السلطة. فقد وُلد في مخيم خان الشيح قرب دمشق، وعاش تجربة اللجوء والقمع منذ طفولته. في السادسة عشرة، أصيب برصاصة في ساقه خلال “مسيرة يوم النكبة” عام 2011. ثم انخرط في أنشطة معارضة للنظام السوري قبل أن يفرّ إلى لبنان عام 2013، تاركًا وراءه أحلام الطفولة بأن يصبح طيارًا، بعدما اعتُقل صديقاه المقربان وقُتلا تحت التعذيب.
منحة إلى “الحلم الأمريكي” المكسور
في لبنان، عاش بين الدراسة والعمل والتطوع للاجئين، حتى حصل على منحة للدراسة في الولايات المتحدة عام 2023. لكن “الحلم الأمريكي” انهار سريعًا، إذ وجد نفسه بعد عامين فقط هدفًا مباشرًا لحملة قمع واسعة ضد طلاب الجامعات المناصرين لفلسطين.
إذلال متعمد
داخل المعتقل، عاش أيامًا قاسية وسط عشرات المهاجرين من شتى الجنسيات. كان يقرأ ويدون ويصمد، لكن أقسى لحظة كانت حين وُلد ابنه “دين”. رفضت السلطات السماح له بحضور الولادة أو حتى رؤية زوجته. لم يسمع سوى صرخة زوجته من الألم عبر الهاتف، ثم صرخة طفله الأولى. قال لاحقًا: “كان إذلالًا متعمدًا، قسوة صافية.”
حرية معلقة
اليوم، يعيش محمود في شقة صغيرة ببروكلين مع زوجته وطفله، يحاول أن يستعيد ملامح حياة طبيعية. لكن شبح الترحيل ما زال يطارده في كل مرة يركب المترو. رغم ذلك، يؤكد: “حتى لو أبعدوني، سأظل أرفع صوتي من أجل فلسطين.”
قصة تتجاوز الفرد
يرى محمود أن قصته مجرد “قطرة في بحر الحزن الفلسطيني”، لكنها تختصر مسيرة جيل كامل يعيش بين اللجوء والمنفى والسجون. من مخيم خان الشيح في سوريا إلى سجون لويزيانا في أمريكا، يثبت أن الصوت الفلسطيني لا يمكن عزله خلف القضبان، ولا ترحيله عبر الحدود.