عربي وعالمي

بعد استقالة إيشيبا.. اليابان أمام منعطف سياسي حاسم

أعلن رئيس الوزراء الياباني شيجيرو إيشيبا استقالته من منصبه بعد الهزيمة الثقيلة التي تكبدها الحزب الليبرالي الديمقراطي في انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة في يوليو. فقد خسر الحزب أغلبيته البرلمانية، ما أضعف قدرته على الحفاظ على الاستقرار الداخلي وإدارة الحكومة بفاعلية. هذه التطورات دفعت إيشيبا إلى التخلي عن القيادة بعد أقل من عام على توليه السلطة في أكتوبر الماضي. وتدخل اليابان الآن مرحلة سياسية غير مسبوقة، حيث يتهيأ الحزب الحاكم لاختيار زعيم جديد يقود البلاد وسط تحديات داخلية وخارجية متزايدة.

 

انتخابات حاسمة داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي

 

من المتوقع أن تبدأ قريبًا انتخابات رئاسة الحزب الليبرالي الديمقراطي، والتي ستحدد هوية الزعيم القادم، وبالتالي المرشح الأوفر حظًا لتولي منصب رئيس الوزراء. ومع فقدان الحزب وحلفائه للأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، برزت احتمالات نظريًا لوصول المعارضة إلى الحكم، رغم ضعف هذا السيناريو. الحزب الحاكم يسعى إلى اختيار شخصية قادرة على إعادة الثقة للناخبين واستعادة مكانته السياسية. الانتخابات الداخلية المقبلة لن تحدد فقط زعيم الحزب، بل ستشكل أيضًا ملامح المستقبل السياسي لليابان خلال السنوات المقبلة.

 

المرشحة الأبرز: ساناي تاكاييتشي

 

ساناي تاكاييتشي، الوزيرة السابقة التي تولت حقائب مهمة مثل الشؤون الداخلية والأمن الاقتصادي، تُعتبر من أبرز الأسماء المطروحة داخل الحزب. اشتهرت بمواقفها المحافظة ودعواتها لتعديل الدستور السلمي بعد الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى زياراتها المتكررة لمعبد ياسوكوني المثير للجدل. فوزها سيجعلها أول امرأة في تاريخ اليابان تصل إلى منصب رئاسة الوزراء. حضورها القوي وخبرتها الطويلة في العمل الحكومي يمنحانها فرصة بارزة، إلا أن مواقفها المثيرة للجدل قد تثير انقسامات داخل الحزب وبين صفوف الناخبين.

 

شينجيرو كويزومي.. الوريث السياسي الشاب

 

من الأسماء الصاعدة أيضًا شينجيرو كويزومي، وزير الزراعة الحالي ونجل رئيس الوزراء الأسبق جونيتشيرو كويزومي. يُنظر إليه على أنه “المُصلح الشاب”، حيث يتمتع بكاريزما خاصة وصورة سياسية جديدة قد تجذب الشباب والناخبين غير التقليديين. رغم خبرته المحدودة في الملفات الاقتصادية، فإن خلفيته العائلية وسجله كوزير للبيئة والزراعة يمنحانه حضورًا قويًا داخل الحزب. يُعد كويزومي أصغر المرشحين سنًا، وقد يشكل ترشحه رهانًا على تجديد صورة الحزب الليبرالي الديمقراطي واستعادة شعبيته بعد الهزيمة الأخيرة.

 

يوشيمسا هاياشي.. رجل الأزمات المتمرس

 

مرشح آخر بارز هو يوشيمسا هاياشي، الأمين العام لمجلس الوزراء منذ عام 2023، والملقب بـ “رجل الإطفاء السياسي” لتوليه مناصب حساسة في أوقات الأزمات. فقد تولى وزارات الدفاع والخارجية والزراعة، ما منحه خبرة واسعة في الملفات الداخلية والخارجية. يتميز بخلفية أكاديمية قوية حيث درس في جامعة هارفارد، وعمل سابقًا في الولايات المتحدة، مما يجعله صاحب علاقات دولية متينة. شخصيته العملية وقدرته على التعامل مع الملفات الصعبة تجعله منافسًا قويًا على قيادة الحزب وربما الحكومة المقبلة.

 

المعارضة تستعد لاقتناص الفرصة

 

رغم صعوبة فوزها بالسلطة، فإن المعارضة تسعى إلى استغلال تراجع الحزب الحاكم. يبرز هنا اسم يوشيهيكو نودا، رئيس الوزراء الأسبق وزعيم الحزب الديمقراطي الدستوري، الذي يُعرف بصرامته المالية ودعوته مؤخرًا إلى تخفيف الأعباء الضريبية. كما يظهر يوئيتشيرو تامكي، زعيم الحزب الديمقراطي الشعبي، الذي يركز على دعم الأسر اليابانية وزيادة الإنفاق الدفاعي وتشديد الرقابة على شراء الأجانب للأراضي. ورغم محدودية حظوظ المعارضة في الوصول إلى الحكم، فإنها تراهن على الاستفادة من انقسامات الحزب الحاكم لاستعادة حضورها السياسي.

اقرأ أيضاً

محمود عباس: غزة تحت مسؤولية الدولة الفلسطينية والانتخابات بعد الحرب

تحديات اقتصادية وجيوسياسية ضاغطة

 

تأتي استقالة إيشيبا في وقت تواجه فيه اليابان ضغوطًا اقتصادية متنامية، أبرزها التضخم وضعف الأجور، إضافة إلى تحديات جيوسياسية في شرق آسيا مع تصاعد التوترات الإقليمية. اختيار زعيم جديد للحزب الحاكم سيكون خطوة محورية في تحديد مسار السياسات المقبلة، سواء على صعيد الإصلاحات الاقتصادية أو في مجال العلاقات الدولية. اليابان تدخل مرحلة حساسة قد تعيد تشكيل توازناتها السياسية، في ظل تساؤلات حول ما إذا كانت البلاد ستشهد للمرة الأولى قيادة نسائية تاريخية أو عودة إلى الوجوه التقليدية.

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى