فضيحة إبستين تُطيح بسفير بريطانيا في واشنطن وتُحرج حكومة ستارمر دبلوماسيًا

في خطوة مفاجئة تعكس حساسية المرحلة وتعقيدات السياسة البريطانية، أقال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، وبالتنسيق مع وزيرة الخارجية يفيت كوبر، اللورد بيتر ماندلسون من منصبه كسفير للمملكة المتحدة لدى الولايات المتحدة. القرار جاء بعد أيام من الجدل المتصاعد وتسريب رسائل إلكترونية تكشف حجم العلاقة بين السياسي المخضرم والمالي الأمريكي الراحل جيفري إبستين، المدان في قضايا استغلال قاصرات. هذه الإقالة، التي وُصفت بالزلزال السياسي، طرحت تساؤلات عميقة حول نزاهة آليات التعيين الدبلوماسي، ومدى تأثير الفضائح الشخصية على صورة الدولة ومصالحها الاستراتيجية.
رسائل صادمة تقلب الموازين
الشرارة التي عجّلت بسقوط ماندلسون كانت نشر مجموعة من الرسائل الإلكترونية المتبادلة بينه وبين إبستين، أبرزها رسالة عام 2008 أظهر فيها السياسي البريطاني تعاطفاً لافتاً مع رجل الأعمال بعد إدانته الأولى بالتحرش بالقاصرات. في الرسالة كتب ماندلسون: “أفكر بك كثيراً وأشعر باليأس والغضب مما حدث، كن قوياً فأصدقاؤك سيبقون إلى جانبك”. هذا الكشف، بالإضافة إلى ظهوره في كتاب تهنئة بعيد ميلاد إبستين الخمسين، حيث وصفه بـ”الصديق المقرّب”، أثار عاصفة من الانتقادات وصلت إلى البرلمان والإعلام.
ضغوط سياسية ومعارضة شرسة
رغم أن ستارمر كان قد أعلن قبل يوم واحد فقط عن ثقته في ماندلسون، فإن الضغوط من المعارضة المحافظة برئاسة كيمي بادنوتش كانت حاسمة. بادنوتش وصفت الأمر بأنه “مقزز” وطالبت بالإقالة الفورية، معتبرة أن الإبقاء على ماندلسون يسيء لسمعة بريطانيا ويقوّض مصداقيتها الدولية.
إخفاق في إجراءات التدقيق الأمني
واحدة من أبرز القضايا التي فجرتها الفضيحة تتعلق بمدى كفاءة عملية التدقيق الأمني التي سبقت تعيين ماندلسون. الحكومة أكدت أن الرسائل المسربة لم تكن متاحة خلال فترة الفحص، إذ تعود إلى بريد إلكتروني مغلق منذ سنوات. إلا أن هذا التبرير لم يمنع المعارضة من اتهام ستارمر بالتقصير وسوء التقدير في اختيار شخصية مثيرة للجدل لتولي منصب حساس كهذا.
ارتدادات على السياسة الخارجية البريطانية
الإقالة تأتي في وقت حساس، إذ من المقرر أن يقوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيارة دولة إلى بريطانيا خلال أيام، وهو نفسه مرتبط بعلاقة مع إبستين أثارت جدلاً واسعاً في الماضي. هذا التزامن يضاعف من الإحراج البريطاني ويطرح تساؤلات حول الرسائل السياسية التي تبعث بها لندن لحليفتها واشنطن في لحظة توتر عالمي.
تأثيرات على مكانة ستارمر
إلى جانب الضربة الدبلوماسية، تمثل القضية صفعة قوية لستارمر الذي يواجه انتقادات متكررة من خصومه بسبب “تردده” في التعامل مع الفضائح الحكومية. بادنوتش استغلت الموقف لتؤكد أن رئيس الوزراء يضع مصالح الحزب فوق مصالح البلاد، معتبرة أن تردده المتكرر في التعامل مع قضايا مثل أزمة أنجيلا راينر سابقاً يكشف عن ضعف في القيادة.
مستقبل العلاقات البريطانية الأمريكية
مع تنحي ماندلسون، أعلن تعيين جيمس روسكو نائب السفير قائماً بالأعمال في واشنطن إلى حين اختيار خلف دائم. ورغم محاولة الحكومة التقليل من أثر الفضيحة على العلاقات الثنائية، يرى محللون أن استدعاء سفير بريطاني في ظروف كهذه قد يترك ندوباً في صورة الدبلوماسية البريطانية، خصوصاً في ظل التنافس الدولي الحاد وضرورة الحفاظ على جبهة متماسكة مع الحليف الأمريكي.