غموض يحيط باتفاق لتشغيل منجم ذهب في السودان وسط نفي رسمي وتحذيرات من غياب الشفافية

أثارت تقارير إعلامية محلية ودولية ضجة واسعة بشأن اتفاقية ضخمة لتشغيل أحد أكبر مناجم الذهب في السودان، تتضمن استثمارات تقدر بـ277.3 مليون دولار أمريكي. إلا أن مسؤولين سودانيين سارعوا إلى نفي توقيع أي اتفاق رسمي، ما خلق حالة من الغموض والتضارب بين الرواية الإعلامية والتصريحات الحكومية.
تفاصيل المشروع المعلن: منجم ومصفاة ومصنع مخلفات
بحسب ما تم تداوله إعلاميًا، فإن الاتفاقية المفترضة تشمل أكثر من مجرد تشغيل المنجم؛ حيث تتضمن كذلك إنشاء مصنع لمعالجة مخلفات التعدين ومصفاة ذهب حديثة، ما يشير إلى خطة طموحة لإعادة هيكلة سلسلة إنتاج وتكرير الذهب في السودان، وزيادة القيمة المضافة محليًا.
هذا التوجه ينسجم مع محاولات الحكومة السودانية في السنوات الأخيرة لتنظيم قطاع التعدين الذي يُعد أحد المصادر الرئيسية للنقد الأجنبي، في ظل أزمات اقتصادية خانقة وتراجع الإنتاج الزراعي والصناعي.
نفي رسمي: مجرد طلبات استثمارية قيد الدراسة
رغم هذه التغطية الإعلامية الواسعة، خرجت مصادر رسمية سودانية عن صمتها لتنفي بشكل واضح توقيع أي اتفاق حتى الآن. ووفقًا لمسؤولين في وزارة المعادن، فإن ما تم تداوله لا يتعدى كونه “طلبات استثمارية من شركات أجنبية”، وهي لا تزال في مراحل التفاوض والدراسة الفنية والقانونية، دون أن يتم اعتمادها رسميًا أو المصادقة عليها من قبل الجهات المعنية.
هذا التصريح يعكس حرص الحكومة على عدم خلق توقعات مفرطة في الشارع السوداني أو إعطاء إشارات خاطئة للسوق، خصوصًا في ظل غياب الاستقرار السياسي والاقتصادي منذ انقلاب 2021 وتدهور مستويات الشفافية في إدارة الثروات الطبيعية.
الذهب: مورد استراتيجي وشائك في آن
يشكّل الذهب موردًا استراتيجيًا بالغ الأهمية للاقتصاد السوداني، حيث يُقدّر الإنتاج السنوي الرسمي بنحو 30 إلى 50 طنًا، فيما تشير تقديرات غير رسمية إلى ضعف هذا الرقم نتيجة التهريب والتعدين العشوائي.
وقد سعت الحكومات المتعاقبة، دون نجاح كبير، إلى ضبط هذا القطاع وإدخاله ضمن الاقتصاد الرسمي، إلا أن تعقيدات المشهد الأمني والسياسي وقوة شبكات المصالح عطلت أغلب المبادرات الإصلاحية.
قلق شعبي من غموض الاتفاقيات الكبرى
أثار الغموض المحيط بمثل هذه المشاريع الكبرى مخاوف متجددة لدى الرأي العام السوداني، لا سيما في ظل تاريخ طويل من الاتفاقيات الغامضة التي وُقّعت دون شفافية أو رقابة تشريعية، وأسفرت عن فقدان الثروات دون مقابل ملموس للمواطنين أو الاقتصاد الوطني.
ويطالب ناشطون وخبراء اقتصاديون بضرورة نشر كل تفاصيل أي اتفاق يُبرم في قطاع المعادن، بما في ذلك نسب الشراكة، والضمانات البيئية، وآليات الرقابة والمحاسبة، لتجنّب تكرار تجارب سابقة من الاستغلال الخارجي والتلوث البيئي.
ختام: ترقب وحذر في انتظار الحسم الرسمي
في الوقت الراهن، لا يزال الملف مفتوحًا على احتمالات متعددة. فبينما تسعى شركات أجنبية إلى دخول السوق السوداني الواعد بثرواته المعدنية، تتريث الحكومة في إبرام أي اتفاقيات نهائية وسط تحديات قانونية، وواقع اقتصادي معقد، ومطالبات شعبية متزايدة بمزيد من الشفافية.