عرب وعالم

فرنسا على حافة الانهيار.. أزمة سياسية واقتصادية تضرب قلب الجمهورية

تعيش فرنسا واحدة من أصعب لحظاتها السياسية والاقتصادية في السنوات الأخيرة، حيث اجتمع الاضطراب السياسي مع الضغوط المالية في مشهد يهدد استقرار الجمهورية. فقد خفضت وكالة “فيتش” التصنيف الائتماني للدين الفرنسي من AA- إلى A+ مع نظرة مستقبلية مستقرة، بالتزامن مع سقوط حكومة رئيس الوزراء فرانسوا بايرو في البرلمان بعد أقل من عام على توليها السلطة.

هذا التطور يضع الرئيس إيمانويل ماكرون أمام تحديات معقدة، أبرزها البحث عن حكومة مستقرة قادرة على تمرير ميزانية جديدة، وإيجاد حلول وسط مع المعارضة، وفي الوقت نفسه التعامل مع عجز مالي متفاقم وتزايد المخاوف في الأسواق المالية التي تنظر بقلق إلى مستقبل الاقتصاد الفرنسي.

 

انهيار سياسي يعمّق الأزمة

 

شهدت فرنسا سقوط حكومة بايرو بعد تصويت البرلمان بحجب الثقة عن خطته للتقشف التي تضمنت خفض العجز عبر إجراءات بقيمة 44 مليار يورو. هذا التطور يعكس هشاشة الوضع السياسي، حيث يفتقر الرئيس ماكرون للأغلبية البرلمانية القادرة على دعم برامجه. تعيين سيباستيان لوكورنو خلفًا لبايرو لم يغير كثيرًا في المعادلة، إذ لا يزال الانقسام الداخلي يعرقل أي تقدم حقيقي. وأشارت وكالة “فيتش” إلى أن هذا التشرذم السياسي يجعل من الصعب تحقيق هدف خفض العجز إلى 3% من الناتج المحلي بحلول عام 2029، وهو ما قد يدفع ماكرون إلى تقديم تنازلات للمعارضة اليسارية بشأن الميزانية.

 

أرقام مالية مقلقة تهدد الاقتصاد

 

كشفت البيانات الرسمية أن العجز الفرنسي في 2024 بلغ 5.8% من الناتج المحلي، متجاوزًا بكثير سقف الاتحاد الأوروبي البالغ 3%. ورغم توقعات الحكومة بانخفاضه إلى 5.4% بنهاية العام، إلا أن وكالة “فيتش” رجحت استمراره فوق 5% حتى 2027. ترجع جذور الأزمة إلى الإنفاق الكبير خلال جائحة كورونا وأزمة الطاقة الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، إضافة إلى التخفيضات الضريبية التي أقرتها حكومة ماكرون للشركات والأثرياء، ما قلل من الإيرادات دون تحقيق النمو المطلوب. هذه الأرقام تعكس وضعًا ماليًا هشًا يهدد بزيادة الضغوط على المالية العامة.

 

التزامات دفاعية وضغوط اجتماعية

 

تتعرض الخزانة الفرنسية لضغوط إضافية بسبب التزاماتها الدفاعية والاجتماعية. فقد تعهد ماكرون بزيادة الإنفاق العسكري بـ6.5 مليار يورو استجابة لمطالب الولايات المتحدة داخل حلف الناتو. في المقابل، لا تزال فرنسا تواجه صعوبة في خفض نفقاتها الاجتماعية التي تمثل 32% من الناتج المحلي، مقارنة بمتوسط 26% في دول الاتحاد الأوروبي. هذه التحديات المزدوجة بين الإنفاق الدفاعي المرتفع والحفاظ على شبكة الرعاية الاجتماعية تجعل من مهمة تقليص العجز أكثر تعقيدًا، وتزيد من الحاجة إلى توافق سياسي واسع لتفادي مزيد من الأزمات.

 

الأسواق المالية تترقب بحذر

 

تسببت الأزمة السياسية والمالية في ارتفاع تكاليف الاقتراض الفرنسية إلى مستويات لم تُسجل منذ أزمة الديون الأوروبية. فقد وصلت عوائد السندات الحكومية لعشر سنوات إلى 3.6% قبل استقالة بايرو، لتتراجع إلى 3.49% لاحقًا. الأهم أن الفارق مع السندات الألمانية بلغ 0.8 نقطة مئوية، ما يعكس توتر المستثمرين ويضع فرنسا في موقف شبيه بإيطاليا من حيث المخاطر المالية. خبراء الاقتصاد يرون أن تخفيض التصنيف يعكس واقع الأزمة أكثر مما يصنعها، محذرين من أن غياب توافق سياسي سيبقي الأسواق في حالة توتر دائم تجاه الدين العام الفرنسي.

 

عوامل قوة وسط العاصفة

 

رغم الأزمات العاصفة، لا تزال فرنسا تملك مقومات قوة مهمة. فقد أشارت “فيتش” إلى أن حجم الاقتصاد الفرنسي الكبير والمتنوع، إلى جانب عضويتها في منطقة اليورو، يمثلان عناصر دعم أساسية، كما أن القطاع المصرفي يتمتع بالاستقرار والصلابة. وزير المالية المنتهية ولايته إيريك لومبار أكد أن رئيس الوزراء الجديد سيباستيان لوكورنو بدأ بالفعل مشاورات مع القوى السياسية في البرلمان لإقرار ميزانية وطنية توازن بين تقليص العجز والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي. ورغم صعوبة الطريق، يبقى الأمل معقودًا على أن ينجح الحوار السياسي في تجنيب فرنسا مزيدًا من الانهيار.

اقرأ أيضاً

الشرع: إسرائيل خططت لتقسيم سوريا وجعلها ساحة صراع

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى