يهدد بشل الحياة.. فرنسا أمام اختبار “الخميس الأسود”

تترقب فرنسا يومًا استثنائيًا يوصف بـ”الخميس الأسود“، إذ تستعد البلاد لإضراب واسع النطاق يشمل قطاعات حيوية كالنقل والتعليم والصحة والطاقة. يأتي هذا الحراك استكمالًا لحركة احتجاجية شهدتها البلاد في 10 سبتمبر تحت شعار “لنوقف كل شيء”، والتي حشدت أكثر من 200 ألف مشارك. لكن التوقعات هذه المرة تشير إلى مضاعفة العدد ليصل إلى أكثر من 400 ألف متظاهر، ما يعكس حجم الغضب الاجتماعي من السياسات الحكومية، وخاصة مقترحات الميزانية المرتبطة برئيس الوزراء السابق فرانسوا بايرو. الإضراب المرتقب، الذي يتزامن مع تصاعد التوتر في الشارع الفرنسي، يثير مخاوف جدية من شلل شبه كامل للحياة اليومية، بدءًا من وسائل النقل العام وحتى المستشفيات والصيدليات، في مشهد يعكس تصاعد المعركة بين النقابات والحكومة حول أولويات العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
النقابات ترفع سقف المواجهة
أعلنت النقابات العمالية تحالفها الواسع لخوض الإضراب، احتجاجًا على تعديلات الميزانية المقترحة، التي اعتبرتها تهديدًا لحقوق العمال والخدمات العامة. ورحّبت صوفي بينيه، الأمين العام لنقابة العمال العامة، بإلغاء مقترح تقليص العطل الرسمية، معتبرة أنه “انتصار أول” يعزز ثقة النقابات في مواصلة الضغط. وأكدت أن الهدف هو إسقاط مشروع ميزانية بايرو بالكامل، والدفع بأولويات مثل العدالة الضريبية، إصلاح نظام التقاعد، وزيادة الأجور والمعاشات.
النقل تحت وطأة الشلل
قطاع النقل يُتوقع أن يكون الأكثر تضررًا، إذ حذّر وزير النقل المستقيل فيليب تابارو من أن البلاد قد تواجه “يومًا أسود” حقيقيًا. النقابات الرئيسية للسكك الحديدية دعت إلى مشاركة جماعية، فيما أعلنت نقابات النقل في باريس (RATP) انضمامها للإضراب، ما ينذر بتوقف شبه كامل للقطارات ووسائل النقل العام. كما رفعت نقابات أخرى مطالب إضافية، مثل صرف الإجازات نقدًا وتوسيع تغطية النفقات الطبية، ما يزيد من حدة الأزمة.
التعليم في قلب العاصفة
العام الدراسي المتوتر أصلاً مرشح لمزيد من الاضطراب، إذ أعلنت نقابات التعليم الثانوي والابتدائي والبحث العلمي انضمامها للإضراب. وأشارت البيانات النقابية إلى “غضب عارم” من ميزانية 2026، التي اعتُبرت سببًا في نقص الموارد واكتظاظ الفصول وضغط الحياة المدرسية. ودعت نقابة المعلمين الأكبر إلى إضراب جماعي، مؤكدة أن الحركة الاحتجاجية تمثل خطوة إضافية بعد حراك 10 سبتمبر، الذي كشف عن عمق الغضب الاجتماعي في الوسط التعليمي.

الطاقة والصحة.. معركة حيوية
برز قطاع الطاقة كمحور رئيسي في التصعيد، حيث تواصل النقابة الوطنية للمناجم والطاقة إضرابها منذ 2 سبتمبر، مع خطط لاحتلال مواقع استراتيجية مثل محطات الغاز والمخازن النووية. وفي القطاع الصحي، أعلنت النقابات تنظيم إغلاق شبه كامل للصيدليات، مع توقع مشاركة 98% منها. كما دعا أطباء العلاج الطبيعي إلى إغلاق العيادات باستثناء الحالات الطارئة، مطالبين بزيادة الرواتب وتحسين أوضاع المهنة.
الطيران.. مشاركة محدودة لكن حاضرة
على عكس القطاعات الأخرى، شهد قطاع الطيران تراجعًا في المشاركة، بعد قرار النقابة الوطنية لمراقبي الحركة الجوية تأجيل إضرابها لغياب المحاور الحكومي. لكن إشعارًا جديدًا حُدد في أكتوبر المقبل للمطالبة بزيادة الأجور وتعويض التضخم. ورغم هذا التراجع، لا يزال قطاع الطيران مهددًا بالاضطرابات، إذ تمسكت نقابات أخرى، مثل نقابة العمال العامة في الخطوط الفرنسية، بدعوتها إلى الإضراب يوم 18 سبتمبر.
فرنسا بين شلل محتمل وتصعيد متواصل
مع انضمام قطاعات حيوية متعددة إلى “الخميس الأسود”، تبدو فرنسا مقبلة على يوم استثنائي قد يشل الحركة في أغلب المدن. فالنقل والتعليم والصحة والطاقة جميعها مرشحة لتوقف واسع، فيما تتوعد النقابات بمواصلة الضغط لإجبار الحكومة على إعادة النظر في أولوياتها الاقتصادية والاجتماعية. وبينما يحبس الفرنسيون أنفاسهم بانتظار يوم 18 سبتمبر، يبقى السؤال مفتوحًا: هل تنجح الحكومة في احتواء هذه الموجة، أم تدخل البلاد في فصل جديد من الصراع الاجتماعي؟



