القدرات البرمائية.. أداة ردع جديدة في الشمال الأوروبي

بعد ثلاث سنوات دامية من الحرب في أوكرانيا، تتزايد المخاوف داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) من اتساع نطاق التهديدات الروسية داخل أوروبا. فقد شهدت بولندا مؤخراً إسقاط طائرات مسيّرة روسية فوق أراضيها، في سابقة خطيرة. كما اعترضت البحرية الإستونية هذا الصيف ناقلة نفط مجهولة تعمل ضمن “أسطول الظل” الروسي داخل منطقتها الاقتصادية الخالصة. أما في لاتفيا، فكشفت تقارير استخباراتية عن إعادة تنظيم روسيا لمناطقها العسكرية الحدودية مع أوروبا إلى “مقاطعات لينينغراد وموسكو العسكرية”، في خطوة تعكس نواياها التصعيدية. هذه التحركات الجوية والبحرية والبرية مجتمعة، تبرز رغبة موسكو في اختبار جاهزية الناتو وردعه.
السفن البرمائية.. قدرة مهملة لكنها حاسمة
أمام هذا المشهد المتغير، تبرز القدرات البرمائية كإحدى الأدوات الأقل استغلالاً لكنها الأكثر مرونة في ترسانة الحلف. مع انضمام السويد وفنلندا مؤخراً، بات تسع دول أعضاء في الناتو تمتلك سفناً برمائية مجهزة على أعلى مستوى وتشارك بانتظام في تدريبات ومهام مشتركة. ورغم أن دراسة لمؤسسة راند عام 2018 وصفت هذه القدرات بأنها “كبيرة” لكنها “غير معترف بها بشكل كافٍ”، إلا أن التغيرات الأخيرة أظهرت أنها أداة فعّالة للردع وإظهار الحضور العسكري في الشمال الأوروبي والبلطيق.
النرويج وبناء مركز متخصص
وفي 2024، أنشأت النرويج –رغم عدم امتلاكها أسطولاً برمائياً– مركز الناتو للحرب البرمائية في القطب الشمالي. يوفّر هذا المركز بيئة تدريبية متخصصة تمكن قوات الحلف من تطوير جاهزيتها في بيئة بحرية معقدة مليئة بالمضايق والجزر والمياه الضحلة. مثل هذه التجهيزات تجعل من القوة البرمائية أداة استجابة سريعة يمكن دمجها فوراً في هيكل القيادة الأطلسي لمواجهة أي طارئ.
قدرات بحر البلطيق والشمال
تمنح الطبيعة الجغرافية للبلطيق والشمال الأوروبي أهمية خاصة للسفن البرمائية، إذ تتيح لها المناورة وسط الجزر والمضايق وتوفير مواقع مثالية للاستطلاع والانتشار الأمامي. تمتلك السويد مثلاً سفن “فيسبي” الشبحية، القادرة على مكافحة الألغام والغواصات، إضافة إلى استيعاب طائرات هليكوبتر للهبوط والتزود بالوقود. كما تُستخدم زوارق “CB90” القتالية كمنصات قيادة متنقلة أو زوارق مسلحة سريعة الحركة. أما فنلندا فتعتمد على زوارق “جيهو” القادرة على العمل في بيئات متنازع عليها وتوفير دعم لوجيستي للقوات المنتشرة.
دور في حماية البنية التحتية البحرية
من خلال تعزيز الانتشار البرمائي في الشمال، يستطيع الناتو السيطرة على الممرات البحرية ومنع محاولات التخريب الروسي. هذه القدرات ضرورية لحماية كابلات الاتصالات البحرية وخطوط النقل التجاري، التي تعرضت لاعتداءات روسية متكررة في السنوات الأخيرة. كما يمكن للسفن أن تكون منصات لإطلاق أنظمة غير مأهولة تزيد من قوة الحلف في مجالات الاستطلاع والحرب تحت السطح.
رؤية استراتيجية مستقبلية
أدرجت استراتيجية الناتو البحرية الأخيرة، الصادرة في يوليو 2025، تطوير تكنولوجيا الاستطلاع تحت الماء ضمن أولوياتها. ومع أن الحلف يحقق تقدماً في هذا المجال، فإن امتلاك الدول الأعضاء لسفن برمائية مزودة بمستشعرات وقدرات كشف متقدمة يعزز الوضع الدفاعي للناتو في الشمال. استمرار التدريبات وتحسين أنظمة القيادة والسيطرة سيضمن دمج هذه القوات بسلاسة في هيكل الحلف، مما يجعلها أداة طبيعية لتحقيق الردع والسيطرة البحرية في مواجهة روسيا.