الوكالات

«التجديد الوطني» في اختبار الفضيحة: ستارمر يواجه ظلال إبستين وارتباك داخلي

دخل زعيم حزب العمال البريطاني، كير ستارمر، أسبوعًا سياسياً عصيبًا كان يُفترض أن يكرّس فيه شعاراته عن «التجديد الوطني»، لكنه وجد نفسه محاصرًا بفضائح متلاحقة. فبين استقالة نائبته ورئيسة ملف الإسكان على خلفية قضايا ضريبية، وتنحي السفير الأمريكي بعد الكشف عن صلاته بجيفري إبستين، ثم إبعاد مدير الاستراتيجية الحزبية بسبب مزاح غير لائق، أصبح المشهد أكثر تشويشًا من أي وقت مضى. وفي الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى استقرار وقيادة قوية، يجد ستارمر نفسه مضطرًا إلى الدفاع عن سياسات وتعيينات تثير الجدل أكثر مما تبعث على الثقة. وزاد المشهد قتامة مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في زيارة دولة رسمية، حيث بدا العشاء الملكي وكأنه فصل من فيلم سياسي داكن، تتخلله ظلال الماضي وأزمات الحاضر.

 

الإيميلات التي لا يمكن تجاهلها

عودة إيميلات بيتر مانديلسون مع جيفري إبستين إلى السطح فجرت عاصفة سياسية. فالمراسلات القديمة، التي كان يُفترض أن تبقى في طي النسيان، أظهرت علامات واضحة على تجاهل ممنهج للتحذيرات. ستارمر، الذي اعتاد توجيه النقد الأخلاقي للخصوم عندما كان في صفوف المعارضة، وجد نفسه اليوم في موقع المساءلة. التساؤلات تتصاعد حول سبب التستر على تفاصيل مثيرة للشبهة، وحول مدى نزاهة آليات الرقابة داخل الحكومة. هذه الأزمة لم تُحرج الحزب فحسب، بل زعزعت ثقة الرأي العام في قدرة ستارمر على الوفاء بوعوده، خصوصًا أن شعار «التجديد» بات يصطدم بجدار من الفضائح.

 

فضيحة التعيين وتراجع الثقة

ما أثار الصدمة لم يكن مجرد ارتباط بعض الشخصيات السياسية بإبستين، بل حقيقة أن عملية التعيين نفسها مرّت دون تدقيق جاد. تجاهل مؤشرات متكررة على وجود شبهات يعكس خللًا عميقًا في آليات الفحص والرقابة داخل المؤسسات. مكتب رئيس الوزراء بدا عاجزًا عن التعامل بشفافية مع الفضيحة، إذ حاول الدفاع عن اختياراته في وقت كانت فيه الحقائق تتكشف واحدة تلو الأخرى. هذه الصورة زادت من حدة الانتقادات الموجهة للحكومة الجديدة، وأثارت تساؤلات حول مدى جدية ستارمر في الإصلاح، خاصة أن الخطاب المعلن عن النزاهة والصرامة بدا متناقضًا تمامًا مع الممارسات.

 

إبستين: الغموض المالي والظل الثقيل

ثروة جيفري إبستين ما زالت لغزًا محيّرًا للخبراء الماليين، حيث لم تُعرف مصادرها بدقة، في حين أكد كبار المستثمرين وصناديق التحوط أنهم لم يتعاملوا معه. هذا الغموض غذّى نظريات عن شبكة معقدة من الابتزاز والمصالح الخفية، ما جعل اسمه حاضرًا بقوة في دوائر السياسة والمال عبر العالم. اليوم، ومع عودة فضائحه إلى الواجهة في بريطانيا، يبدو أن تأثيره لم يُدفن بمماته، بل يواصل إلقاء ظلال ثقيلة على سمعة قادة حاليين. بالنسبة لستارمر، فإن مجرد ارتباط حزبه بهذه الشبكة يعكس هشاشة سياسية ويهدد صورته كقائد إصلاحي.

 

وليمة وندسور والحرج الدبلوماسي

زيارة ترامب لبريطانيا جاءت في توقيت بالغ الحساسية، لتضيف مشهدًا جديدًا من التعقيد. العشاء الملكي في وندسور بدا محاطًا بظلال غير مريحة، إذ اجتمع على الطاولة ضيوف تلاحقهم أسئلة عن علاقاتهم القديمة بإبستين. الصور التي خرجت من المناسبة حملت أكثر من دلالة، حيث بدا الحفل الرسمي أقرب إلى اختبار علني للقيادة البريطانية. في وقت كان يُفترض فيه أن يظهر ستارمر بمظهر الواثق، وجد نفسه أمام ضغوط دبلوماسية وإعلامية مزدوجة، ما عزز الانطباع بأن حكومته تتخبط في إدارة ملفات حساسة وتفتقر إلى الصرامة.

 

خيارات ستارمر المحدودة

رحيل مانديلسون عن المشهد السياسي قد يبدو خطوة لامتصاص الغضب، لكنه لا يكفي لإنقاذ صورة ستارمر. كل يوم يمر يحمل أزمة جديدة تجعل شعار «التجديد الوطني» عرضة للتشكيك. الرأي العام بدأ يتساءل إن كان الخطاب الإصلاحي مجرد شعارات جوفاء، في وقت تتراكم فيه الأخطاء والتناقضات. بقاء ستارمر على رأس الحزب لا يزال مؤكدًا، لكن قدرته على الحفاظ على هيبة القيادة باتت محل اختبار مستمر. والسؤال بقى: هل يكفي الكلام عن «التجديد» وإصدار بيانات، ولا الوقت جه لإنهاء التناقضات من داخل الحزب أولا؟

اقرأ أيضاً

حضور أمريكي مفاجئ في مناورات “زاباد 2025” الروسية-البيلاروسية

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى