تمضي تركيا في تعزيز أسطولها الجوي رغم التحديات التقنية والسياسية التي واجهت برنامج المروحيات متعددة المهام T-70. ففي خطوة جديدة، تسلّمت القوات الجوية التركية رابع مروحية من هذا الطراز خلال مراسم رسمية في القاعدة الجوية الرئيسية الثالثة. المروحية مزودة بقدرات متقدمة للبحث والإنقاذ القتالي (CSAR)، ما يعكس استمرار التزام أنقرة بتطوير صناعتها الدفاعية رغم العقبات التي شملت التأخيرات الإنتاجية والعقوبات الأمريكية. ويأتي ذلك ضمن إطار برنامج “TUHP” الذي يعد من أبرز مشروعات التعاون الصناعي والعسكري في قطاع الطيران التركي، حيث سُلِّم حتى الآن أكثر من 30 مروحية لصالح الجيش والوكالات الأمنية.
برنامج طموح تقلّص بفعل التحديات
أُطلق البرنامج عام 2007 بهدف إنتاج مئات المروحيات محليًا على غرار نجاح مشروع المروحية القتالية T129 ATAK. كان المخطط في البداية إنتاج نحو 600 مروحية بالشراكة بين شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية (TUSAŞ) و”سايكورسكي” الأمريكية، إضافة إلى شركات محلية أخرى. لكن مسار المشروع لم يسر كما خطط له، إذ واجه تأخيرات طويلة وتبدلات في الاحتياجات العملياتية نتيجة انتشار الطائرات المسيرة المسلحة. ومع العقوبات الأمريكية التي فُرضت على أنقرة عقب شراء منظومة الدفاع الروسية S-400، تقلّصت الطموحات إلى 39 مروحية فقط، بدلًا من 109 كما كان متوقعًا في مرحلة التنفيذ الأولى.
قدرات محلية وتكنولوجيا متقدمة
مروحية T-70 هي نسخة تركية من الطراز الأمريكي S-70i “بلاك هوك”، لكن مع تعديلات واسعة لزيادة الاعتماد على التكنولوجيا المحلية. فهي مزودة بمحركات T700-TEI-701D المصنعة محليًا، إضافة إلى أنظمة إلكترونيات طيران من تطوير شركة ASELSAN التركية. كما تتولى شركة Alp Aviation إنتاج مكونات رئيسية، منها رؤوس المراوح وأنظمة النقل. هذه المشاركة المحلية الواسعة جعلت البرنامج ليس مجرد صفقة شراء، بل فرصة لبناء خبرة صناعية متراكمة في مجال المروحيات العسكرية، ما يعزز استقلالية تركيا الدفاعية على المدى الطويل ويمنحها قاعدة صلبة لتطوير مشاريع أكثر طموحًا.
آفاق جديدة مع مشروع T925
رغم القيود التي واجهها برنامج T-70، تواصل تركيا استثماراتها في تطوير أسطولها الجوي. ويبرز في هذا السياق مشروع المروحية الثقيلة T925، الذي يمثل نقلة نوعية في قدرات النقل والدعم الجوي. من المقرر أن يبدأ المشروع اختباراته في عام 2026، على أن يدخل الخدمة بحلول 2028. وتُظهر المواصفات الأولية قدرة المروحية على حمل 19 راكبًا أو نقل 4 أطنان من المياه في مهام مكافحة الحرائق. بذلك، تسعى أنقرة إلى تقليل اعتمادها على المروحيات الأجنبية وتعزيز قدراتها المحلية في مجال الصناعات الدفاعية، مع تركيز واضح على التصدير مستقبلًا.
استمرار المسار رغم الصعوبات
تؤكد تجربة برنامج T-70 أن طريق التصنيع العسكري المحلي ليس خاليًا من العقبات، لكنه في الوقت نفسه يشكل أساسًا متينًا لتحقيق الاستقلالية الاستراتيجية. ورغم تراجع حجم الإنتاج عن المخططات الأولى، فإن التجارب المكتسبة والدروس المستخلصة من هذا البرنامج ساهمت في صقل مهارات الصناعة التركية. وبينما تتجه الأنظار نحو مشروع T925، تبدو تركيا عازمة على المضي قدمًا في بناء أسطول جوي محلي متكامل قادر على تلبية احتياجاتها الدفاعية والإنسانية في العقود المقبلة.
اقرأ أيضاً
الصين تحول مقاتلة من الحرب الباردة إلى طائرة قتالية بلا طيار
