علوم وتكنولوجيا

الصين تصعد في سباق السيارات الطائرة: بين الابتكار والتحديات التشغيلية

 

شهدت مدينة قوانغتشو جنوب الصين مؤخرًا عرضًا حيًا لسيارة طائرة من نوع EH216-S التابعة لشركة EHang، حيث ارتفع الجهاز البيضاوي الشكل، المحمول بالكهرباء، لمسافة نحو 20 مترًا، حاملاً راكبًا واحدًا، قبل أن يهبط بسلام بعد دقيقة من التحليق. يأتي هذا العرض كجزء من جهود الشركة لتوسيع استخدام السيارات الطائرة، بعد أن حصلت على موافقة رسمية من الهيئة الصينية لتنظيم الطيران لتشغيل رحلات سياحية بدون طيار، لتكون أول شركة في العالم تحصل على مثل هذا التصريح.

وأشار نائب رئيس الشركة، هي تيانكسينغ، إلى أن “المجال الجوي دون ارتفاع 1000 متر هو أحد الموارد الطبيعية الأقل استغلالًا للبشرية”، مؤكداً على الفرص الهائلة أمام الطائرات الكهربائية ذات الإقلاع والهبوط العمودي (eVTOL) في المدن الصينية. وتخطط EHang لبدء بيع تذاكر الرحلات السياحية في قوانغتشو ومدينة خفي، مع توقعات للتوسع لاحقًا في مجالات النقل العام، اللوجستيات، وخدمات الطوارئ.

الإمكانات الاقتصادية والتقنية للسيارات الطائرة

يتوقع أن تُحدث الطائرات الكهربائية الثورية تحولًا في التنقل داخل المدن وبينها، عبر توفير بديل اقتصادي وعملي للطائرات الهليكوبتر التقليدية باهظة الثمن. وتعتبر الصين رائدة عالميًا في هذا القطاع، مستفيدة من هيمنتها على إنتاج البطاريات وتوجيه سياسات داعمة للابتكار. ومع ذلك، ما زال القطاع يواجه عقبات متعددة على الصعيد الدولي، تتعلق بالسلامة، اللوائح التنظيمية، والضوضاء، خصوصًا مع وجود احتمالية تشغيل مئات الطائرات الصغيرة فوق مناطق مأهولة.

واجهت الشركات الصينية تحديات أيضًا، ففي شمال شرق البلاد اصطدمت طائرتان من نوع eVTOL تابعة لشركة Xpeng خلال رحلة تجريبية، مما أدى إلى اندلاع حريق عند هبوط إحداهما. وأكدت الشركة أن جميع المشاركين سالمون، وجاري التحقيق في أسباب الحادث.

التوسع التجاري وتحديات إثبات الجدوى

على الرغم من أن الرحلات السياحية المدفوعة تمثل مرحلة تجريبية مهمة، يرى محللون أن الاختبار الحقيقي سيكون في تطوير خدمة سيارات الأجرة الطائرة على نطاق واسع، والتي تتطلب حل قضايا التحليق داخل المدن وإثبات جدوى الطائرات في الحياة العملية. وأوضح نيل بيفريدج، محلل في شركة Bernstein، أن النجاح الاقتصادي يعتمد على رفع حجم التشغيل، وهو ما يتطلب إظهار قدرة هذه الطائرات على نقل الركاب بأمان وفعالية.

تُقدر Bernstein أن سوق التنقل الجوي الحضري العالمي سيبلغ نحو 24 مليار دولار سنويًا بحلول 2030، مقارنة بنحو 5 مليارات العام الماضي فقط. وقد أنشأت الحكومة الصينية قسمًا مخصصًا لتطوير القطاع، فيما بدأت السلطات المحلية ببناء البنية التحتية اللازمة، مثل الهبوط والطيران منخفض الارتفاع. فمدينة شنتشن تعتزم إنشاء 1200 منصة هبوط منخفضة الارتفاع بحلول العام المقبل، بينما استثمرت قوانغتشو أكثر من 10 مليار يوان لتطوير هذا القطاع بحلول 2027.

دخول كبار صانعي السيارات التقليدية وسوق المنافسة

بدأت شركات السيارات الصينية الكبرى مثل GAC، FAW، وجيلي في تطوير طرازات طائرة، مستفيدة من خبرتها في البطاريات والمحركات الكهربائية. وأشار جون جيانغ، المؤسس المشارك لشركة TCab في شنغهاي، إلى زيادة التمويل بشكل ملحوظ بعد سلسلة سياسات داعمة، مع دخول مستثمرين جدد وموردين للسيارات الكهربائية إلى قطاع الطيران.

ورغم هذه التطورات، يعاني القطاع العالمي من مشاكل، حيث أفلست شركات مثل Lilium وVolocopter، بينما اقتربت شركة Joby Aviation الأمريكية من التشغيل التجاري بعد اختبارات ناجحة في دبي.

الأسعار والإمكانات السوقية

أحد مميزات المنتج الصيني هو التكلفة المنخفضة نسبيًا مقارنة بالطائرات الهليكوبتر التقليدية، إذ تبلغ تكلفة الطائرات الصينية نحو 2 مليون يوان، بينما يصل سعر الهليكوبتر التقليدية إلى حوالي 5 ملايين دولار، ما يجعل السيارات الطائرة الصينية أكثر قابلية للوصول لعدد أكبر من المستخدمين.

شركة Xpeng تلقت أكثر من 4000 طلب مسبق على نموذجها Land Aircraft Carrier، وهي مركبة فان مزودة بطائرة هليكوبتر كهربائية ثنائية المقعد، مع توقع بدء الإنتاج التجاري العام المقبل. وأكد نائب رئيس Aeroht أن السيارة الطائرة تستهدف في البداية العملاء الأغنياء، لكنها قد تمتد لخدمات البحث والإنقاذ والنقل الطبي.

التحديات التنظيمية والتطبيقية

رغم قدرة الشركات على تطوير طائرات عاملة، فإن الانتشار الواسع ما زال بعيدًا. وأوضح سون كيوان، رئيس شركة الخرائط الصينية MXNavi، أن الشركات تركز بشكل أساسي على تطوير الطائرة نفسها، وليس على التطبيقات العملية التي يمكن أن تثبت جدوى استخدامها. وأكد يوجين شياو من Macquarie أن الشركات تحتاج إلى عرض حالات استخدام كبيرة لتثبت جدوى الاستثمار، متوقعًا أن تمر خمس سنوات على الأقل قبل بداية الاستخدام التجاري الفعلي.

المستقبل البعيد: مرحلة السيارات الطائرة

في قوانغتشو، أقر نائب رئيس EHang بأن عصر سيارات الأجرة الطائرة ما زال بعيدًا، مشيرًا إلى أن تطوير نظام النقل الجوي المدني استغرق عقودًا حتى وصل إلى المرحلة الحالية. وأضاف أن تعقيدات الطيران منخفض الارتفاع داخل المدن، بما في ذلك تحقيق رحلات منتظمة وآمنة، ستكون أكبر بكثير مما يتصور البعض، وهو ما يعني أن الانتقال من الطائرات التجريبية إلى الاستخدام الجماعي قد يتطلب سنوات طويلة من التطوير والتنظيم.

اقرا ايضا

القاهره والرياض ترسمان ملامح جديده لأمن الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى