ديزني تسحب برنامج جيمي كيميل تحت ضغط سياسي متصاعد

في مساء الأربعاء، كان جيمي كيميل يستعد لتقديم حلقته المعتادة من برنامجه الشهير Jimmy Kimmel Live على شبكة ABC، عندما جاء القرار المفاجئ من شركة ديزني، المالكة للشبكة: البرنامج سيتوقف مؤقتاً. الخطوة التي جاءت قبل ساعات قليلة من تسجيل الحلقة، لم تكن مجرد قرار إداري تقليدي، بل نتيجة مباشرة لتشابك غير مسبوق بين السياسة، الإعلام، وضغوط مالية متصاعدة، لتتحول سريعاً إلى جدل وطني حول حرية التعبير في الولايات المتحدة.
اتهامات سياسية وضغوط من لجنة الاتصالات
القضية تفجّرت بعدما اتهم محافظون كيميل بتشويه الحقائق بشأن حادثة إطلاق نار تورّط فيها شاب اتُّهم بقتل الناشط اليميني تشارلي كيرك. رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية (F.C.C) برندان كار وجّه تحذيراً صريحاً لشبكة ABC، قائلاً إن المسألة “شديدة الخطورة” بالنسبة لديكور الإعلام الأميركي، ملمحاً إلى إمكانية استخدام صلاحياته للضغط على تراخيص البث. هذه اللهجة العلنية شكّلت قطيعة مع نهج أسلافه، وأعطت إشارة واضحة بأن السياسة دخلت قلب المعادلة.
المعلِنون والتهديدات يضاعفون الضغط
إلى جانب التهديدات التنظيمية، تلقى مسؤولو ديزني وابلاً من شكاوى المعلنين القلقين على صورتهم التجارية، فيما بدأ بعض الموظفين يتلقون رسائل تهديد شخصية، وحتى تسريب عناوين بريدهم الإلكتروني على المنصات الاجتماعية. ووسط هذا المشهد الملتبس، رأت الإدارة العليا بقيادة روبرت أيغر ودانا والدن أن أي monologue سياسي من كيميل قد يشعل الأزمة أكثر، فاختاروا خطوة احترازية: إيقاف البرنامج مؤقتاً.
ردود فعل متباينة بين الاستنكار والاحتفاء
قرار ديزني لم يمرّ بصمت. الديمقراطيون، فنانون، ونقابات هوليوودية وصفوا الخطوة بأنها “رقابة مقنّعة” وتهديد لحرية التعبير، بينما احتفى ناشطون يمينيون بما اعتبروه “انتصاراً على الإعلام المنحاز”. الرئيس ترامب، الذي كان في زيارة لبريطانيا، سارع إلى التعليق قائلاً إن كيميل “تمت معاقبته على فشله وضعف شعبيته”، مضيفاً أن ABC كان عليها أن تطرده منذ سنوات. الواقع أن كيميل لم يُطرد، بل عُلِّق برنامجه لأجل غير مسمى، مع نية مبدئية لعودته لاحقاً، لكن الضرر الرمزي كان قد وقع بالفعل.
انتفاضة محطات محلية ضد الشبكات الوطنية
الأزمة كشفت جانباً خفياً من صناعة التلفزيون: العلاقة المعقدة بين الشبكات الوطنية ومحطات البث المحلية. شركتا Nexstar وSinclair، المالكتان لعشرات المحطات في ولايات عدة، أعلنتا سحب برنامج كيميل من جداول بثها، ما مثّل تمرّداً غير مسبوق على سلطة الشبكات الكبرى. خبراء الإعلام وصفوا الخطوة بأنها “شبه غير مسموعة”، إذ درج العرف لعقود على أن تتلقى المحطات المحتوى من الشبكة دون اعتراض، لكن تصاعد الخلافات المالية والسياسية جعل التمرد ممكناً.
أبعاد اقتصادية وراء القرار
وراء الخطاب السياسي، تختبئ أيضاً مصالح اقتصادية كبرى. محطات محلية تسعى إلى تعظيم أرباحها من رسوم إعادة البث التي تحصل عليها من شركات الكابل، بينما تطالب الشبكات الوطنية بحصص أكبر من تلك الإيرادات. بالنسبة لمراقبين، بدا سحب برنامج كيميل وكأنه ورقة ضغط تفاوضية بقدر ما هو تعبير سياسي. فإذا خرج عدد كافٍ من المحطات عن التزامها، فإن الجدوى الاقتصادية للبرنامج نفسه تصبح مهددة.
هوليوود تنتفض دفاعاً عن حرية التعبير
في لوس أنجلوس، خرجت نقابات السيناريو والتمثيل للتنديد بقرار ديزني، ووصفت الخطوة بأنها “جبن مؤسسي” يفتح الباب لمزيد من التدخل السياسي في الإعلام. احتجاجات رمزية أقيمت أمام مقر الشركة في بربانك، بينما تعهّد كتاب ومنتجون بعدم التعاون مع الشركة إذا استمر التعليق. المخرج والكاتب دامون ليندلوف، خالق مسلسل Lost، كتب أنه لا يستطيع “بضمير مرتاح” العمل لدى شركة تقمع أصوات مبدعيها.
تاريخ من التوتر بين كيميل وترامب
الخلاف بين كيميل والتيار المحافظ ليس جديداً. خلال سنوات رئاسة ترامب، لم يتردد كيميل في توجيه سخرية لاذعة للرئيس وسياساته، لدرجة أنه هدد مراراً بترك البرنامج إذا طُلب منه تخفيف حدّة تعليقاته. في الأشهر الأخيرة، كان كيميل قد علّق على إلغاء برنامج ستيفن كولبير في CBS، ساخراً: “سعيد أننا لا نزال على الهواء نحن أيضاً”، قبل أن يغرّد ترامب مباشرة بعدها متوقعاً سقوطه هو الآخر. ما بدا مزحة حينها تحوّل الآن إلى واقع سياسي مُعقد.
معركة أوسع من مجرد برنامج
القضية في جوهرها ليست مجرد خلاف حول مقدم برامج ليلية، بل مؤشر على صراع أعمق حول مستقبل الإعلام الأميركي في عصر استقطاب سياسي حاد. هل يحق للمحطات المحلية أن تفرض إرادتها على الشبكات الكبرى؟ وهل يمكن للسلطات التنظيمية أن تستخدم صلاحياتها للضغط السياسي؟ وما حدود مسؤولية الشركات العملاقة مثل ديزني بين حماية موظفيها والحفاظ على حرية التعبير؟
الإجابات لا تزال غامضة، لكن المؤكد أن ما جرى مع جيمي كيميل أعاد فتح جبهة جديدة في معركة حرية الكلمة في الولايات المتحدة، حيث لم يعد الصراع مجرد شأن إعلامي، بل ساحة مواجهة سياسية واقتصادية وثقافية معاً.