عرب وعالم

ترحيب حذر في الضفة الغربية مع الاعتراف المرتقب بفلسطين

أثار إعلان بريطانيا وفرنسا والبرتغال وكندا نيتهم الاعتراف بدولة فلسطين في الأيام المقبلة ردود فعل متباينة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة في الضفة الغربية. وبينما استقبل كثيرون الخطوة بترحيب واعتبروها اعترافاً متأخراً بحقوق تاريخية للشعب الفلسطيني، عبّر آخرون عن تشككهم في جدواها، معتبرين أنها قد تظل خطوة رمزية ما لم تُترجم إلى مواقف سياسية وضغوط ملموسة على إسرائيل.

ترحيب شعبي مشوب بالقلق

في مخيم الأمعري قرب رام الله، الذي يعكس بواقعه الصعب ذاكرة النكبة ومآسي الاحتلال، كان الحلاق أبو سعيد يعمل وسط زحام زبائنه عندما تحدث عن القرار قائلاً: “حتى لو جاء متأخراً، فهو اعتراف بحقوقنا. لكن وحده لا يكفي، نحن بحاجة إلى إجراءات عملية، لأن الشعب الفلسطيني تعرض للخذلان مراراً طوال 77 عاماً.”

رمزية بلا مضمون واضح

على مقربة من هناك، في مقهى “تشي جيفارا”، جلس محمد رزق، أمين مكتبة، منتقداً ما وصفه بـ”الاعتراف الرمزي”. تساءل بغضب: “ما هي حدود الدولة التي يعترفون بها؟ لم يحدد أحد شيئاً. الأمر لا يعدو كونه محاولة لتهدئتنا. وفي النهاية ستستخدم الولايات المتحدة الفيتو ضد أي خطوة حقيقية.”

المخيم كذاكرة للصراع

جدران المخيم كانت شاهدة على التناقض بين الأمل واليأس: صور ياسر عرفات، ورسوم تستقبل الأسرى المحررين، وأخرى توثق تهجير سكان لُد عام 1948. بالنسبة للسكان، التاريخ حاضر بكل ثقله. ورغم انتقادات البعض لهجوم حماس في أكتوبر 2023، إلا أن القصف الإسرائيلي العنيف الذي أودى بحياة أكثر من 65 ألف فلسطيني في غزة، أعاد التذكير بالهوة بين الشعارات الدولية والواقع القاسي.

الحاجة لإجراءات ملموسة

تساؤلات السكان لم تتوقف عند حدود الاعتراف السياسي. محمد رزق وآخرون تساءلوا: “هل ستفرض هذه الدول حظر أسلحة على إسرائيل؟ هل ستتدخل لإيصال الغذاء إلى غزة؟ هل ستعامل نتنياهو كما تعامل الغرب مع بوتين في أوكرانيا؟”

أصوات تطالب بالضغط الدبلوماسي

في شارع جانبي، أبدت “أم كريم”، وهي فنية مختبر، تحفظها الشديد: “التصريحات وحدها لا تكفي. ما نحتاجه هو عقوبات، أو قطع العلاقات الدبلوماسية، أو حتى محاكمة أي بريطاني يشارك في جيش الاحتلال. غير ذلك سيظل مجرد حبر على ورق.”

بريطانيا وإرثها التاريخي

داخل النقاشات، برزت مرة أخرى مسؤولية بريطانيا التاريخية عن الوضع الراهن، خصوصاً مع “وعد بلفور” عام 1917. وزير الخارجية البريطاني السابق ديفيد لامي ذكّر الأمم المتحدة بأن بريطانيا تعهدت وقتها بعدم المساس بحقوق الفلسطينيين الدينية والمدنية، مؤكداً أن هذا الشرط لم يتحقق وأن الظلم التاريخي ما زال يتواصل.

رؤية المحللين الفلسطينيين

الصحفية والمحللة نور عودة وصفت الاعتراف المرتقب بأنه “دين تاريخي تأخر طويلاً”، لكنها حذرت من تحويله إلى مجرد دعاية سياسية: “الاعتراف التزام قانوني وسياسي. إذا اكتفت بريطانيا وحلفاؤها بالتصريحات دون إجراءات، فسيكون ذلك عملاً انتهازياً مضراً.”

من جانبها، رأت المحللة ديانا بطو أن الاعتراف يثير “الأمل والخوف معاً”، موضحة أن الأمل يكمن في إمكانية استثماره لإنهاء الاحتلال، بينما يكمن الخوف في أن يُستخدم كذريعة للتنصل من المسؤولية الحقيقية، قائلة: “الأدوات كلها موجودة، لكن الإرادة السياسية غائبة.”

بين الماضي والمستقبل

الخطوة الأوروبية الكندية جاءت أيضاً في ظل تصاعد الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، الأمر الذي اعتبرته هذه الدول تهديداً حقيقياً لما تبقى من إمكانية حل الدولتين. لكن إسرائيل رأت في الاعتراف مكافأة لـ”حماس”، على حد تعبير رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ”تشجيع الإرهاب ومعاداة السامية”.

واقع يتكرر دون تغيير

في النهاية، يلخص أبو سعيد، الحلاق الأربعيني من مخيم الأمعري، الشعور العام لدى كثير من الفلسطينيين قائلاً: “الزبائن يتغيرون، والموضات تتبدل، والسياسيون يطلقون الوعود، لكن بعد عقود طويلة ما زلت واقفاً في محلي، والواقع لم يتغير.”

اقرا ايضا

السيسي: مؤتمر “حل الدولتين” خطوة محورية نحو الاعتراف بدولة فلسطين 

نيرة احمد

نيرة أحمد صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى