صدمة خطاب ترامب: تراجع الالتزام الأمريكي بالأمم المتحدة

أثار خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ردود فعل واسعة، إذ هاجم قضايا الهجرة، وتغير المناخ الذي وصفه بـ”الخدعة”، وانتقد دور المنظمة نفسها. اعتُبر الخطاب مؤشرًا على تراجع التزام واشنطن بقيم التعددية والتعاون الدولي، مما يفتح الباب أمام البحث عن قيادة بديلة. مواقف ترامب الصريحة صدمت المجتمع الدولي، إذ بدا وكأن الولايات المتحدة تتخلى عن دورها التقليدي كحارس للنظام العالمي، ما يعزز فرص التحالفات الإقليمية والدولية لموازنة النفوذ الأمريكي واستعادة دور التعددية في صنع القرار الدولي.
تحذيرات القادة العالميين
سبق خطاب ترامب تحذيرات متعددة من قادة دوليين. الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا شدد على صعود “السلطويات الجديدة” وتآكل الديمقراطية، بينما أكد الرئيس الكوري الجنوبي أن أزمة المناخ تمثل تهديدًا للبشرية جمعاء. في الوقت ذاته، أعاد قادة إندونيسيا وتركيا التأكيد على رفض هيمنة القوى الكبرى، وانتقد رجب طيب أردوغان تجاوزات إسرائيل في المنطقة. هذه المواقف توضح القلق المتنامي لدى الدول النامية والديمقراطيات الناشئة، والتي تبحث عن مساحة أكبر للتعبير عن مصالحها، في ظل غياب القيادة الأمريكية التقليدية على الساحة الدولية وتراجع الثقة في المؤسسات متعددة الأطراف.
الأمم المتحدة في مواجهة الشلل المؤسسي
حاول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الدفاع عن التعددية وأهمية المنظمة الدولية، لكنه أقر بصعوبة عمل المؤسسات بسبب “حق النقض” وتراجع الثقة الدولية. المؤسسات الأممية تواجه تحديات غير مسبوقة، إذ يتنامى نفوذ التحالفات الإقليمية وتتصاعد الضغوط من الدول الكبرى على القرار الدولي. ضعف التنسيق بين أعضاء الأمم المتحدة يؤدي إلى إبطاء عملية اتخاذ القرارات وحل الأزمات، ما يزيد المخاوف بشأن قدرة المنظمة على الحفاظ على دورها كمنصة عالمية للتعاون وحل النزاعات، ويجعلها أكثر عرضة لتأثير النفوذ الفردي للدول القوية على السياسات الدولية.
تحالفات متباينة لمواجهة النفوذ الأمريكي
برز اتجاهان على الساحة الدولية: الأول يقوده تحالف روسي-صيني سلطوي يسعى لتعزيز نفوذه العالمي، والثاني تحالف مضاد لترامب بقيادة شخصيات مثل لولا دا سيلفا، وبيدرو سانشيز، وغابرييل بوريتش. يؤكد سانشيز على أن “المجتمعات المفتوحة هي الدواء ضد التطرف”، داعيًا للدفاع عن حرية التعبير والتعددية. رغم هذه التحركات، لا تزال التحالفات غير منسقة بشكل كامل، ما يمنح كل دولة حرية اختيار كيفية التعامل مع النفوذ الأمريكي. الغموض في التحالف المضاد يعكس تعقيد المشهد الدولي في ظل أساليب ترامب المتنوعة التي تمزج بين التجارة والأمن والهجرة كوسائل للضغط على خصومه وحلفائه على حد سواء.
دبلوماسية الابتزاز وأثرها على النظام الدولي
تعتمد إدارة ترامب على ما يعرف بـ”دبلوماسية الابتزاز”، التي تدمج بين الملفات الاقتصادية والأمنية والهجرة لممارسة الضغوط على الدول الأخرى. هذه الاستراتيجية تزيد من حالة عدم اليقين لدى الشركاء والحلفاء، وتفرض عليهم موازنة مصالحهم الوطنية مع الضغوط الأمريكية المتزايدة. في ظل هذه السياسات، يسعى بعض القادة العالميين إلى بناء بدائل لتعزيز التعددية والدفاع عن حرية التعبير، بينما تحاول دول أخرى التكيف مع الواقع الجديد لضمان مصالحها. عدم اليقين الدولي يعكس تحولات حقيقية في موازين القوى العالمية ويعيد رسم خطوط النفوذ بشكل غير مسبوق.



