الحالة ضد بطاقات الهوية الرقمية: تخيّل كيف قد تستخدمها حكومة ريفورم

قاد خطابٌ رفع سقف النقاش حول الهوية الرقمية إلى نقطة مفصلية: هل سيحل هذا الحلّ التقنيّ مشاكل الهجرة والجرائم الصغيرة كما يُزعَم، أم أنه سلاح يُمنَح للدولة لتمارس رقابة أوسع على الحياة الشخصية؟ ما بدا في البداية كفرصة لطرح إجابة تقدمية عن مخاطر اليمين المتطرف قد يتحول، بلمسة واحدة، إلى استسلام لمطالب قوى تُريد تشديد السيطرة على الحدود والشارع.
ما المقترح بالضبط؟
الفكرة بسيطة على الورق: يحمل كل شخص بطاقة هوية رقمية على هاتفه، ويُطالب بها عند بدء العمل أو في حالات محددة للتحقق من وضع الإقامة. الهدف المُعلَن هو منع توظيف أشخاص بلا أوراق رسميّة في السوق السوداء وحماية الأجور المحلية. لكنها ليست جديدة؛ نسخ من هذه الفكرة مطروحة في أوروبا منذ سنوات، وسبق أن اقتُرحت داخل حكومات بريطانية سابقة بدوافع إدارية.
لماذا تبدو جذابة الآن؟
صعود قوى شعبوية تطالب بحلول سريعة لمشاكل الاندماج والجريمة جعلت السياسيين التقليديين يتطلعون لأدوات تُظهر «حزمًا» عمليًا. في هذا السياق، البطاقة الرقمية تتحوّل إلى أداة تُؤشر للحزم العملي. لكن هنا تكمن المخاطر: كل أداة تُمنح للدولة يمكن أن تُستخدم لاحقًا لأغراض مختلفة تمامًا عن الغرض المعلن.
سيناريو المخاطر: ماذا لو جاءت حكومة مختلفة لاحقًا؟
ما يثير القلق ليس ما سيقوم به منطق السياسة الحالية، بل من قد يستولون على هذه القوة لاحقًا. تخيّل حكومة ترفع شعار «ترحيل واسع النطاق» وتستخدم قواعد البيانات وبطاقات الهوية والربط مع تقنيات التعرف على الوجه للبحث عن أشخاص وتوقيفهم في محطات المترو أو الملاعب. إجراءات تبدو «إدارية» اليوم قد تتحول إلى آلية لمطاردة مجموعات كاملة من الناس غدًا — ليس فقط المهاجرين، بل أيّ من تُصنّفه السلطة كـ«عدوّ».
ماذا عن القيود القانونية والأخلاقية؟
البريطانيون يملكون تاريخًا مع قيود الحريات العامة، لكن الصعود المفاجئ لأدوات تكنولوجية جديدة يفرض تساؤلات قانونية كثيرة: ما الضمانات ضد المسح الجماعي للوجوه؟ من يملك الوصول إلى قواعد البيانات؟ متى يمكن توسيع نطاق الطلب على إبراز الهوية؟ الإجابات غير واضحة بالشكل الكافٍ، وغياب هذه الضمانات يجعل الفكرة خطرة.
حجج المناصرين والردود الممكنة
يقول مؤيدو الفكرة إنّها أسهل وسيلة لقطع الطريق على المهربين وتثبيت سوق العمل. الردّ هنا أنّ الحلول التقنية وحدها لا تكفي؛ فالمشكلة أعقد وتحتاج سياسات توظيف وإنفاذ قانون ورقابة على أرباب العمل. كما أنّه لا بد من قيود تشريعية صارمة على كيفية استخدام البيانات وربطها بتقنيات المراقبة.
منطق التدريج: سلّم يأخذه الخصوم لاحقًا
خطوة البناء المركزي لنظام هويّة مموّل ومُدارة من الدولة قد تظهر اليوم كأداة استهداف محدودة، لكنها في الواقع تُنشئ بنية تحتية يمكن لحكومة لاحقة توسيع صلاحياتها عبرها. نزع الحواجز التشريعية أو ترك مساحات واسعة للتفويض التنفيذي يعني أن منابِع القوة التقنية تنتقل بسرعة بين أحزاب متباينة الأيديولوجيات.
التأثير على المؤسّسات الأخرى: إعلام وحريات قضائية
الهوية الرقمية ليست جزيرة معزولة؛ إن ربطها برقابة على الإنترنت أو تقليص الدعم للمؤسسات العامة قد يؤدي إلى بيئة تترسّخ فيها الأخبار المضللة، ويضع الإعلام المستقل تحت ضغط، ويتيح للجهات السياسية تقويض أنظمة الرقابة القضائية والتوازنات الدستورية تدريجيًا.
هل هذا سيناريو مبالغ فيه؟
قد يراه البعض تهويلًا، لكن تجربة أميركا والتلاعب بالدساتير والمؤسسات هناك تُعلّم دروسًا لا يمكن تجاهلها. في بلد ذي بنية دستورية أقل تجسيدًا ومرونة تشريعية واسعة، اختبارات السلطة قد تسرع أكثر مما نتخيل، لذا من الحكمة اتخاذ الاحتياطات الآن قبل إرساء أي بنية تقنية مركزية مماثلة.
ما الذي يجب فعله بدلًا من أن نُسلم بالحلّ التقنيّ فورًا؟
وضع تشريعات دستورية وضوابط صارمة تحكم جمع البيانات واستخدامها، مع آليات شفافة للمساءلة.
الفصل بين قواعد الهوية والوظائف الأمنية: لا رابطآلي بين قواعد بيانات الهجرة وأنظمة المراقبة الجماعية.
اختبارات تأثير اجتماعي وقانوني شاملة قبل تنفيذ أي نظام على نطاق واسع.
تقوية المراقبة البرلمانية والمجتمعية ومراجعات مستقلة عن آثار الخصوصية والحريات.
سلاحٌ يٌبنى اليوم وقد يُستخدم غدًا
قد يكون هدف الهوية الرقمية في ذهن بعض السياسيين اليوم حماية الأجور ومكافحة السوق السوداء، لكن القوة الحقيقية لهذا النوع من التقنيات تكمن في إمكانيات السيطرة والبحث والمطاردة التي يمكن أن تفتحها. بناء آلة مركزية قوية لا يضمن بقاءها في أيادي «محِبة للحرية» — بل قد يمنح مستقبلاً خصومًا أدوات لمحو الحقوق الأساسية. لذا أي نقاش حول الهوية الرقمية يجب أن يبدأ من فرضيات حماية الحريات لا من افتراض حسن النية الدائم لدى مَن في السلطة.



