ترامب يرى في الإغلاق الحكومي “فرصة غير مسبوقة” لمعاقبة الديمقراطيين

دخلت الولايات المتحدة يومها الثاني من الإغلاق الحكومي في 2 أكتوبر 2025 وسط صراع سياسي متصاعد بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. فبعد فشل الكونغرس في تمرير ميزانية جديدة، تعطلت مؤسسات حكومية رئيسية، بينما استغل الرئيس دونالد ترامب الموقف ليصف الأزمة بأنها “فرصة غير مسبوقة” لمعاقبة خصومه وإعادة هيكلة الجهاز الفيدرالي. الأزمة التي بدأت كخلاف مالي حول ملفات الرعاية الصحية تحولت إلى معركة سياسية مفتوحة، حيث يرى ترامب أنها تمنحه إمكانية تاريخية لتقليص حجم الحكومة التي يصفها بالدخيلة والمترهلة. وبينما يخشى المواطنون من تداعيات اقتصادية وخدماتية، يواجه الديمقراطيون والجمهوريون ضغوطًا متزايدة لإيجاد مخرج سريع من المأزق، إلا أن المؤشرات الحالية تكشف عن تصلب في المواقف يجعل الحل بعيد المنال.
خلفية الأزمة: تمويل معطل ومواقف متصلبة
بدأ الإغلاق الحكومي عند منتصف ليل الأربعاء بعدما عجز الكونغرس عن تمرير تشريع يسمح باستمرار تمويل مؤسسات الدولة. الجمهوريون ربطوا الموافقة على التمويل بتنازلات من الديمقراطيين في ملفات شائكة، أبرزها برامج الرعاية الصحية، بينما رفض الديمقراطيون أي شروط مسبقة. هذا التباين أدى إلى تعطيل شامل للعديد من القطاعات الفيدرالية، ليجد الموظفون أنفسهم أمام شبح التسريح أو تأخير الرواتب، فيما تتأثر الخدمات المقدمة للمواطنين. ورغم سوابق عديدة لإغلاق حكومي في التاريخ الأمريكي، فإن الأزمة الراهنة تبدو مختلفة بحكم ارتباطها مباشرة باستراتيجية ترامب الانتخابية ومحاولته استخدام مؤسسات الدولة كأداة سياسية ضد خصومه.
استراتيجية ترامب: تقليص الحكومة واستهداف الديمقراطيين
في خضم الأزمة، أعلن ترامب عبر منصة “تروث سوشال” أنه سيجتمع مع راسل فوت، مدير مكتب الموازنة في البيت الأبيض، لوضع خطط لخفض أعداد الموظفين الفيدراليين. وذهب أبعد من ذلك حين وصف بعض الوكالات المرتبطة بالديمقراطيين بأنها “أدوات احتيال سياسي”، ملمحًا إلى إمكانية إغلاقها نهائيًا. الرئيس الأمريكي أكد أن ما وصفه بـ”تشدد الديمقراطيين” منحه “فرصة تاريخية” لتقليص حجم الحكومة وإعادة توجيه ميزانية الدولة بما يخدم أجندته. هذا الطرح يعكس توجهًا أعمق لدى ترامب نحو تحويل الأزمة من مجرد خلاف مالي إلى مشروع سياسي يهدف لإعادة صياغة دور الحكومة الفيدرالية في حياة الأمريكيين.
قرارات مثيرة للجدل من مكتب الموازنة
إلى جانب خطاب ترامب، برز دور راسل فوت الذي اتخذ قرارات حاسمة بتجميد تمويلات كبرى. أبرز تلك الخطوات كانت وقف 18 مليار دولار مخصصة لمشاريع بنية تحتية في نيويورك، من بينها خط مترو “الشارع الثاني” ونفق نهر هدسون، بدعوى ارتباطها بسياسات التنوع والمساواة. كما علّق 8 مليارات دولار أخرى لمشاريع موزعة على 16 ولاية ديمقراطية، معتبرًا أن التمويل مجرد “خدعة الصفقة الخضراء” لفرض أجندة المناخ. هذه الإجراءات قوبلت بانتقادات واسعة من المعسكر الديمقراطي، الذي رأى فيها عقابًا سياسيًا للولايات المعارضة لسياسات ترامب، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى استثمارات بنية تحتية تعزز الاقتصاد الأمريكي.
ردود فعل غاضبة من الديمقراطيين
القرارات المثيرة للجدل دفعت قيادات ديمقراطية بارزة إلى التعبير عن رفضها بشدة. زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر وزعيم الديمقراطيين في مجلس النواب هاكيم جيفريز اعتبرا أن ترامب “يستخدم العمال كضحايا لحملته المستمرة في الفوضى والانتقام”. أما النائب آدم شيف فوصف الإجراءات بأنها “غير دستورية” وتهدف لمعاقبة الخصوم السياسيين. من جانبه، حذّر السيناتور رون وايدن من أن قطع التمويل عن الولايات الزرقاء سيؤدي إلى رفع تكاليف الطاقة على المواطنين كافة، بينما انتقدت باتي موراي تهديد ترامب بتسريح الموظفين مؤكدة أن “العمال ليسوا أدوات تفاوض”. هذه المواقف كشفت تصاعد الانقسام الحزبي وغياب أي أرضية للتسوية.
قلق داخل المعسكر الجمهوري
ورغم دعم العديد من الجمهوريين لاستراتيجية ترامب، إلا أن أصواتًا معارضة ظهرت داخل الحزب ذاته. السيناتور كيفن كريمر من ولاية نورث داكوتا حذر من أن استغلال الإغلاق الحكومي لتقليص العمالة قد يفقد الحزب “الموقع الأخلاقي العالي” الذي يملكه حاليًا في مواجهة الديمقراطيين. هذه الانتقادات تعكس انقسامًا داخليًا حول جدوى استخدام الأزمة لتحقيق مكاسب سياسية على حساب المواطنين والموظفين الفيدراليين، في وقت يتزايد فيه الضغط على الحزب الجمهوري لإيجاد حلول عملية تضمن استقرار الدولة.
تداعيات ميدانية وخدمات محدودة
ميدانيًا، بقيت الحدائق الوطنية والمتاحف مفتوحة أمام الزوار لكن بخدمات محدودة، في مشهد يذكر الأمريكيين بإغلاقات سابقة. ومع ذلك، يظل الغموض مسيطرًا حول حجم التسريحات المتوقعة، بخلاف الأزمات الماضية التي اكتفت بتجميد الرواتب مع التعويض لاحقًا. في الكونغرس، مرر مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون قانونًا لتمويل الحكومة حتى 21 نوفمبر، لكن مجلس الشيوخ يواجه معضلة تجاوز عتبة الستين صوتًا، وهو ما يتطلب دعم الديمقراطيين، بينما المفاوضات لا تزال متوقفة. هذا الانسداد يعزز المخاوف من استمرار الشلل الحكومي لفترة طويلة.
طريق مسدود وآفاق مجهولة
حتى الآن، لم تظهر مؤشرات على قرب انفراج الأزمة. رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون أعلن بوضوح أنه “لا يوجد ما أتفاوض عليه”، في إشارة إلى تصلب الموقف الجمهوري. الاجتماعات المحدودة بين أعضاء من الحزبين لم تحقق أي تقدم، ما يفاقم المخاطر على الخدمات الفيدرالية والمشاريع الكبرى. وبينما يستغل ترامب الوضع لتعزيز أجندته الرامية إلى تقليص الحكومة، يبقى المواطنون والعمال الفيدراليون في مواجهة مباشرة مع تداعيات سياسية واقتصادية غير واضحة المعالم، وسط أزمة قد ترسم ملامح جديدة للجهاز الإداري الأمريكي.