مفاوضات القاهرة: بارقة أمل جديدة لإنهاء حرب غزة الطويلة

بدأت إسرائيل وحركة حماس مفاوضات غير مباشرة في القاهرة برعاية مصرية، ضمن محاولة جديدة لوقف إطلاق النار في غزة وفقًا لخطة طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. تأتي هذه الجولة وسط تفاؤل حذر بأن الحرب التي استمرت قرابة عامين قد تقترب من نهايتها. فبينما تؤكد واشنطن أن الخطة تمثل فرصة تاريخية لإحلال السلام، يرى مراقبون أن الطريق لا يزال مليئًا بالعقبات السياسية والميدانية. ويعكس الحراك الدبلوماسي المكثف رغبة إقليمية ودولية في طي صفحة الصراع المستمر، مع تزايد الضغوط الشعبية داخل إسرائيل وقطاع غزة لإنهاء دوامة الدماء والدمار.
تبادل الأسرى في صدارة المحادثات
تركزت الجلسات الأولى على ملف تبادل الأسرى، إذ تسعى الوساطة المصرية إلى التوصل إلى صيغة تشمل إطلاق الرهائن الإسرائيليين مقابل الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين. وتشمل خطة ترامب في مرحلتها الأولى انسحابًا جزئيًا للقوات الإسرائيلية من القطاع، ما يفتح الباب لتهدئة أوسع. ورغم أن حماس أبدت موافقة مبدئية على الصفقة، فإن الخلافات حول تفاصيل التنفيذ تبقى عائقًا رئيسيًا. مصادر مصرية تحدثت عن أجواء “إيجابية”، لكن متابعين يشيرون إلى أن التحدي الحقيقي يتمثل في ضمان التزام الطرفين ببنود الاتفاق وتحديد جدول زمني دقيق للتنفيذ.
تصريحات متفائلة من واشنطن وتل أبيب
أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تفاؤله بالمحادثات، معتبرًا أنها “تسير بسرعة نحو نتائج ملموسة”، في حين قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن المفاوضات قد تستغرق أيامًا قليلة فقط. غير أن مراقبين إسرائيليين حذروا من أن الخطة تفتقر إلى التفاصيل الكافية التي تضمن استدامة الهدوء. وتؤكد الإدارة الأمريكية أن نجاح الصفقة سيتوقف على استعداد إسرائيل للالتزام بوقف شامل لإطلاق النار، مقابل تعهد حماس بإنهاء سيطرتها على غزة وتسليم السلطة إلى هيئة انتقالية دولية.
دور مصري–قطري نشط
شهد اليوم الأول من المفاوضات سلسلة لقاءات منفصلة بين الوسطاء العرب والوفدين الإسرائيلي والفلسطيني، تلاها اجتماع تنسيقي ضم ممثلي مصر وقطر والمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف. وتمحورت النقاشات حول آلية إطلاق الرهائن خلال 72 ساعة من إعلان وقف إطلاق النار، فيما طلبت حماس مزيدًا من الوقت لتحديد أماكن بعض الرهائن المفقودين. وقد عرضت اللجنة الدولية للصليب الأحمر المساعدة في عمليات النقل والإشراف الإنساني على عملية التبادل، تكرارًا لدورها السابق في هدنة يناير الماضي. وتؤكد القاهرة أن أولويتها هي تثبيت وقف النار وتهيئة المناخ لبدء مرحلة إعادة الإعمار.
خلافات إسرائيلية داخلية تعقّد المشهد
تواجه الحكومة الإسرائيلية انقسامات حادة بشأن قائمة الأسرى الفلسطينيين الذين قد تشملهم الصفقة. ويعارض التيار اليميني المتشدد، بقيادة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الإفراج عن شخصيات بارزة مثل مروان البرغوثي، مهددًا بالانسحاب من الائتلاف إذا تضمنت الصفقة بقاء حماس في المشهد. ويرى محللون أن هذه الخلافات قد تُضعف موقف نتنياهو التفاوضي، خاصة مع تزايد الغضب الشعبي من استمرار الحرب وتزايد أعداد القتلى الإسرائيليين. وفي المقابل، يضغط البيت الأبيض لتسريع الاتفاق قبل أن تتحول الأزمة إلى مأزق سياسي داخلي في إسرائيل.
القصف يستمر رغم الضغوط الأمريكية
رغم الدعوات الأمريكية لوقف العمليات العسكرية، واصل الجيش الإسرائيلي غاراته على القطاع، ما أسفر عن مقتل 19 فلسطينيًا خلال 24 ساعة، بينهم اثنان من طالبي المساعدات. وبررت إسرائيل هجماتها بأنها “دفاعية”، في حين حذّر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو من أن استمرار التصعيد قد يعرقل أي تقدم سياسي. وتقول منظمات إغاثة إن الأوضاع الإنسانية في غزة وصلت إلى مرحلة الانهيار الكامل، حيث يعيش الملايين في ظل نقص حاد في الغذاء والدواء والمأوى، بينما تتفاقم أزمة المجاعة نتيجة الحصار المستمر منذ عامين.
خطة ترامب: خطوط عامة بلا تفاصيل
تتضمن خطة ترامب 20 بندًا تهدف إلى إنهاء الحرب، أبرزها وقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق جميع الرهائن، ونزع سلاح حماس، وتشكيل هيئة انتقالية دولية بإشراف مباشر من ترامب، وانسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية. كما تنص على إطلاق نحو ألفي أسير فلسطيني وتدفق مساعدات عاجلة لإعادة إعمار القطاع. غير أن مراقبين يشيرون إلى غموض في آليات التنفيذ، خصوصًا في ما يتعلق بتفكيك سلاح حماس ومستقبل الحكم في غزة. وتبقى هذه البنود رهينة للتوافق الدولي والإقليمي ومدى التزام الأطراف بخارطة الطريق الجديدة.
دعم مصري وأوروبي للخطة
رحبت القاهرة بالخطة الأمريكية مؤكدة أنها تمثل فرصة لبداية جديدة في مسار التسوية. وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن تحقيق السلام الدائم يمر عبر وقف إطلاق النار وإعادة الإعمار وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. وفي أوروبا، أعلنت رئيسة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاجا كالاس رغبة بروكسل في المشاركة بالهيئة الانتقالية المزمع تشكيلها في غزة، معتبرة أن “لأوروبا دورًا لا غنى عنه” في أي تسوية مستقبلية. هذا الدعم يعكس إدراكًا دوليًا بأن استمرار الحرب لم يعد خيارًا مقبولًا سياسيًا أو إنسانيًا.
أصوات من الشارع وضغوط شعبية متصاعدة
داخل إسرائيل، تزداد المطالبات بإنهاء الحرب مع اقتراب ذكراها الثانية. وقد بعثت عائلات الرهائن برسالة إلى لجنة نوبل ترشح فيها ترامب لجائزة السلام، تقديرًا لجهوده في إعادة أبنائهم. أما في غزة، فالوضع الإنساني يزداد مأساوية مع سقوط أكثر من 67 ألف قتيل و170 ألف جريح منذ اندلاع الحرب عام 2023. ويصلي السكان من أجل اتفاق ينهي معاناتهم. وبينما تواجه إسرائيل اتهامات دولية بارتكاب إبادة جماعية، تواصل الدفاع عن نفسها أمام المنظمات الحقوقية، معتبرة أن عملياتها تستهدف القضاء على “الإرهاب” لا المدنيين.
نظرة نحو المستقبل
تُعد مفاوضات القاهرة الحالية فرصة نادرة لإنهاء أطول وأشرس الحروب التي شهدها قطاع غزة، والتي أزهقت آلاف الأرواح ودمرت البنية التحتية بشكل واسع. نجاح هذه الجولة لن يعتمد فقط على الاتفاقيات السياسية، بل على قدرة الأطراف على تجاوز الحسابات الضيقة وإعلاء صوت الإنسانية فوق كل اعتبار. وبينما يراقب العالم بدقة تحركات الأطراف المعنية، يبقى الأمل أن تمهد هذه المفاوضات الطريق لفصل جديد من الاستقرار في المنطقة، بعد عامين من الخراب والدمار الذي ترك البشر والحجر على حد سواء في حالة من الإعياء والانكسار العميق.