فايننشال تايمز: رهان خاسر على العولمة – وعصر المستبدين التكنولوجيين الجديد

يصف الصحفي الأمريكي ديفيد لينش في كتابه الجديد «أسوأ رهان في العالم» (The World’s Worst Bet) كيف تحولت العولمة من وعد بالرخاء إلى كارثة اقتصادية وسياسية، وكيف تجاهلت النخب الغربية التحذيرات من أن إدماج الصين في النظام التجاري العالمي كان رهانًا خاسرًا منذ البداية.
رهان واشنطن على الصين… بداية الانهيار
يفتتح لينش كتابه بمشهد أشبه بفيلم كارثي، حيث يظهر سياسيون أمريكيون كبار في عام 2001 يؤكدون أن انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية لن يهدد الاقتصاد الأمريكي بل سيجلب “الفرص للجميع”.
قال جو بايدن حينها: “إن تأثير الصين على الاقتصاد العالمي لا يتجاوز تأثير هولندا”، مضيفًا أن دخولها السوق العالمية سيقودها نحو الديمقراطية والحرية.
وبحسب لينش، كانت تلك التصريحات بمثابة أكبر خطأ في تقديرات السياسة الاقتصادية الحديثة. فقد انهار قطاع التصنيع الأمريكي تحت وطأة الواردات الصينية، وبدأت موجات فقدان الوظائف التي حذر منها مبكرًا كاس جونسون من اتحاد الصناعات النسيجية الأمريكي عام 2003 قائلاً إن “الخسائر تشبه الكساد الكبير”.
حتى الرئيس الأسبق بيل كلينتون، كما يكتب لينش، كان من القلائل الذين رأوا الخطر قادمًا. فقد حذر عام 1991 من أنه إذا لم تقدم الحكومات الأمل للعائلات العاملة، “فإن الخوف والانقسام والكراهية ستنتشر”. ويعلق لينش:
“لقد كان كلينتون نبيًّا لم يُستمع إليه — فكل ما خشيه تحقق تمامًا”.
عولمة خلّفت “صحارى الأمل”
يؤكد الكتاب أن سياسات التجارة الحرة خلقت “جزر نمو مزدهرة” في المدن الكبرى مقابل “صحارى يأس” في المناطق الصناعية السابقة التي تُركت لتنهار.
ومع أن دونالد ترامب حاول لاحقًا معالجة هذا الخلل عبر سياسات حمائية، يرى لينش أن “من تخلفوا عن الركب ظلوا متخلفين”.
وفي مفارقة لافتة، يكشف الكاتب أن القلق من تصاعد التوتر مع أمريكا بدأ مبكرًا داخل الصين نفسها، إذ تساءل رئيس الوزراء لي بنغ في التسعينيات: “هل تعتبرنا الولايات المتحدة عدواً لها؟”، بينما قال الرئيس جيانغ زيمين إنه كان “قلقًا للغاية من مستقبل العلاقة مع واشنطن”.
من العولمة إلى عصر المستبدين التكنولوجيين
أما المفكر الإيطالي جوليانو دا إمبولي، مؤلف كتاب «ساعة المفترس» (The Hour of the Predator)، فينتقل من نقد العولمة إلى تحذير من نظام عالمي جديد يقوده “مفترسو التكنولوجيا” — قادة يملكون المال والخوارزميات بدلاً من الجيوش، ويتصرفون كغزاة العالم الحديث.
يشبّه دا إمبولي حكام اليوم بـ الأزتيك عند وصول الإسبان: “يصلّون لآلهة عاجزة بينما يسلمون مفاتيح ممالكهم للغزاة الجدد — أصحاب شركات التكنولوجيا والمليارديرات والمستبدين الجدد”.
ويسخر الكاتب من النخب الليبرالية الغربية، قائلاً إنه دُعي إلى مؤتمر نظمته مؤسسة أوباما بعد فوز ترامب عام 2016، على أمل مناقشة مستقبل العالم، لكنه وجد نفسه يستمع لمحاضرة عن “زراعة ميشيل أوباما العضوية” وورشة حول “الاستهلاك الواعي للشوكولاتة في بيئة العمل”.
“قابلت أشخاصًا لطفاء ونيّاتيهم حسنة، لكنهم غير مؤهلين لخوض المعركة المقبلة”، كتب دا إمبولي.
عصر “المفترسين”
يرى الكاتب أن العالم اليوم يُعاد تشكيله على يد رجال لا يخشون المخاطر، أمثال ترامب، ومحمد بن سلمان، ونايب بوكيلي في السلفادور، الذين “يصنعون نظامًا عالميًا جديدًا عبر القوة الشخصية واليقين الذاتي”.
ويقول إن القانونيون هم العقبة الوحيدة أمام هؤلاء، لكنه يسخر مضيفًا: “المحامون يمتلكون فضائل كثيرة، لكنهم لم ينجحوا يومًا في إيقاف ثورة”.
فايننشال تايمز: تحذير مزدوج للعالم
تصف الصحيفة كلا العملين بأنهما دعوتان صارختان للتفكير في نتائج قرارات اتُخذت بثقة مفرطة — الأولى حين رهنت أمريكا مستقبلها الاقتصادي للصين، والثانية حين سمحت للعالم أن يُقاد من قبل نخبة تكنولوجية لا تخضع للمساءلة.
وتختم فايننشال تايمز:
“لقد انتهى عصر العولمة الساذجة، وبدأ عصر المفترسين — فلنأمل أن يكون من تبقى من المدافعين عن القانون مستعدًا لما هو قادم



