كيف يمكن للصين أن تتفوق في سباق الذكاء الاصطناعي؟

يشير عدد متزايد من المؤشرات إلى أن الصين باتت تقترب سريعًا من الولايات المتحدة في سباق تطوير الذكاء الاصطناعي.
ففي نهاية عام 2024، حققت شركة DeepSeek الصينية الناشئة اختراقًا كبيرًا عندما قدّمت نموذج لغة ضخمًا ينافس أداء النماذج الأمريكية، رغم استخدامه عددًا أقل بكثير من الشرائح الحاسوبية. وفي أعقابها، كشفت شركات صينية كبرى مثل علي بابا وبايت دانس وMoonshot AI عن نماذج متقدمة أظهرت قدرات جديدة، فيما واصلت الصين — رغم العقوبات الأمريكية — زيادة إنتاجها من شرائح الذكاء الاصطناعي بوتيرة غير مسبوقة.
صعود صناعي يثير قلق وادي السيليكون
داخل الولايات المتحدة، بدأ عدد متزايد من مؤسسي الشركات والمستثمرين في وادي السيليكون يدركون حجم إنجازات الصين الصناعية. فقد أبهرتهم قدرتها على تصنيع منتجات معقدة على نطاق ضخم، مثل السيارات الكهربائية، إلى جانب ضخ استثمارات هائلة في قطاع الطاقة الكهربائية.
لكن هذا الإعجاب ترافق مع قلق متزايد من سياسات إدارة ترامب، التي قلّصت تأشيرات العمل التقنية H-1B وأثّرت سلبًا على توظيف الكفاءات الأجنبية في مجال التكنولوجيا.
التفوّق في الطاقة: سلاح الصين السري
رغم أن الولايات المتحدة ما زالت تتفوق في أحد أهم عناصر القوة — وهو القدرة الحاسوبية المتقدمة التي تمثلها شرائح الذكاء الاصطناعي عالية الأداء — إلا أن الصين تمتلك مزايا هيكلية أخرى قد تقلب موازين المنافسة.
أبرز هذه المزايا هو الطاقة. فبحسب مؤسسة Ember Energy، أضافت الصين في النصف الأول من عام 2025 نحو 256 غيغاواط من الطاقة الشمسية، أي أكثر من 12 ضعفًا لما أضافته الولايات المتحدة في الفترة نفسها (21 غيغاواط). كما تمتلك الصين 32 مفاعلًا نوويًا قيد الإنشاء، بينما لا تبني أمريكا أي مفاعل جديد.
في المقابل، يتبنى الرئيس ترامب موقفًا عدائيًا تجاه الطاقة المتجددة، واصفًا الطاقة الشمسية والرياح بأنها “خدعة القرن”، وأمر بإلغاء مشاريع الرياح البحرية.
وبينما تواجه الولايات المتحدة خطر نقص الطاقة مستقبلًا بسبب مراكز البيانات الضخمة، تبدو الصين بمنأى عن ذلك، إذ تعتبر تزويد الصناعات بالطاقة أولوية وطنية لا يمكن المساس بها.
العنصر البشري: مهندسون صينيون يربطون القارتين
يتكوّن قطاع الذكاء الاصطناعي من فئة نادرة من المهندسين ذوي الكفاءة العالية والتكلفة الباهظة.
ففي سبيل تعزيز مكانة Meta (فيسبوك سابقًا)، يُقال إن مارك زوكربيرغ عرض حزم رواتب تتجاوز مئات الملايين من الدولارات لبعض المهندسين. والمفارقة أن العديد من هؤلاء خريجو جامعات صينية مثل تسينغهوا وبكين وتشجيانغ.
وغالبًا ما يتحرك هؤلاء الخبراء بين مختبرات وادي السيليكون والصين، إذ يجذبهم الوطن أحيانًا بالفرص أو يعيدهم الإحباط من سياسات الهجرة الأمريكية — وهي نقطة ضعف قد تعزز عودة العقول إلى الصين إذا استمرت النزعة القومية في أمريكا بالتشدد تجاه المهاجرين الآسيويين.
اختلاف في الرؤية: بين “صناعة الإله” و”تسخير الأداة”
يرى الكاتب أن السباق ليس فقط في من يبتكر أسرع أو من يمتلك أقوى نموذج، بل في كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي.
فبينما تنشغل وادي السيليكون بأحلام بناء “الذكاء الفائق” وكأنها تحاول “حبس الإله في صندوق”، تنظر بكين إلى الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة عملية لتعزيز الإنتاجية في الصناعات القائمة.
توجّه الصين جهودها لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التصنيع والإلكترونيات والطائرات المسيّرة وحتى الذخائر، بينما قد يُسهم الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة بتعميق تفوقها في قطاعات الخدمات، كالاستشارات والقانون والتقاضي — وربما “زيادة عدد الدعاوى القضائية”، كما يقول الكاتب ساخرًا.
نقص الحوسبة هو العائق الوحيد — وقد يساعد ترامب في حله
يبقى ضعف القدرة الحاسوبية العقبة الأهم أمام تفوق الصين. لكن المفارقة أن الرئيس ترامب قد يساهم، من حيث لا يدري، في تخفيف هذا النقص.
فقد أفادت تقارير بأنه على وشك إبرام صفقة غير مسبوقة تمنح شركتي Nvidia وAMD تراخيص خاصة لتصدير شرائح متقدمة إلى الصين مقابل حصول الولايات المتحدة على 15% من عائدات المبيعات.
في حال تحقق ذلك، ستتمكن الصين من تسريع تدريب نماذجها ومنح علمائها قوة حوسبية تضاهي نظيرتها الأمريكية، ما قد يمهّد لتحوّل كبير في ميزان الابتكار العالمي.



