أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن عقد قمة جديدة مع فلاديمير بوتين في بودابست لبحث ملف أوكرانيا، وقد رحّب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان باختيار بلاده بوصفها «المكان الأوروبي الوحيد» القادر على احتضان اللقاء. لكن استضافة القمة تُثير معضلات عملية وقانونية حقيقية: كيف يمكن لبوتين الوصول إلى العاصمة المجرية من دون عبور أجواء دول تابعة للناتو أو دول موقعة على نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت مذكرة توقيف بحقه؟ أي مرور عبر تلك الأجواء يجعل المجر وجيرانها أمام التزامٍ نظري باعتقاله حال دخول طائرته أجواءها. ورغم أن احتمالات استهداف الطائرة ضئيلة للغاية نظريًا، فإن أي مخاطرة بسلامة رئيس دولة تُعدّ أمراً لا يمكن تجاهله — خصوصًا في ظل حالة التوتر العسكري والدبلوماسي الراهنة. لذلك، فإن نجاح القمة يعتمد على ترتيبات لوجستية وسيادية معقّدة قد تتطلب استثناءات مؤقتة أو مسارات التفافية طويلة تُجنّب الالتزامات القانونية الصارمة.
المسار المباشر
كان المسار المباشر من موسكو إلى بودابست يمرّ فوق بيلاروسيا ثم الأجزاء الغربية من أوكرانيا، ويستغرق نحو ثلاث ساعات قبل اندلاع الحرب. اليوم، الرحلة فوق أوكرانيا تكاد تكون مستحيلة بسبب وجود مناطق قتال وأنظمة دفاع جوي نشطة وتهديدات من عناصر خارجة عن السيطرة. حتى لو رغبت الأطراف في إظهار رمزية اللقاء بطريق أقصر، فإن المخاطر التكتيكية تجعل هذا الخيار غير مقبول عمليًا لبوتين وفريقه الأمني. كما أن أي محاولة لفتح ممر جوي عبر أوكرانيا ستُثار حولها أسئلة أمنية وسياسية شديدة الحساسية، وتعرّض الطائرة الرئاسية إلى مخاطر لا تُقاس بالعواقب الدبلوماسية وحدها.
المسار عبر بولندا وسلوفاكيا
خيارات الالتفاف عبر أوروبا الوسطى تبدو مقيدة كذلك: مسار يمتد عبر بيلاروسيا إلى بولندا ثم سلوفاكيا فالمجر قد يزيد زمن الطيران إلى نحو خمس ساعات، لكنه يواجه عوائق سياسية جسيمة. بولندا من أكثر الدول الداعمة لأوكرانيا وتتمسّك بتطبيق التزامات نظام روما، ما يجعلها مستبعدة عمليًا من قائمة الدول التي ستحوّل مسار طائرة روسية رئاسية عبر أجوائها بصورة استثنائية. حتى إن وُجدت موافقات شكلية من دول أخرى، فإن مرور الطائرة فوق دول تُقِرّ بالاختصاص الجنائي الدولي يفتح احتماليات قانونية مضاعفة قد تؤثر في قرارات طاقم الطائرة والأمن الروسي بشأن المسار.
المسار الطويل عبر تركيا والمتوسّط
السيناريو الأكثر قابلية للتنفيذ عمليًا هو التفاف كبير جنوبًا عبر تركيا ثم العبور فوق البحر المتوسط والأدرياتيكي لتفادي أجواء الاتحاد الأوروبي القارية، قبل الصعود نحو القرن الأوروبي ووصولًا إلى المجر. تركيا، رغم عضويتها في الناتو، حافظت على قنوات اتصالات نشطة مع موسكو وسبق أن منحت تسهيلات لرحلات روسية، ما يجعلها شريكًا محتملًا في ترتيب ممر جوي آمن. المسارات الطويلة تزيد زمن الطيران وتكلفة العملية لكنها تقلّل من احتمال الملامسة القانونية مع دول تلتزم بمذكرة التوقيف، وتسمح بالاستعانة لتنسيقات سرية مع دول مثل صربيا التي لا تعترف بولاية المحكمة الجنائية.
القواعد والاحتياطات القانونية
القانون الدولي والالتزامات الناجمة عن عضوية الدول في نظام روما يَعكسان تعقيدًا خاصًا في هذه الحالة: الدول الأعضاء مُلزَمة نظريًا باعتقال أي شخص تُصدر المحكمة أمرًا بتوقيفه عند وصوله إلى أراضيها أو أجوائها. مع ذلك، تقوم بعض الدول أحيانًا بمنح استثناءات سيادية مؤقتة أو ترتيبات دبلوماسية خاصة عند استضافة فعاليات كبرى. المجر نفسها أعلنت عزماً على المضي في القمة، وأصدرت إشارات لوجستية وسيادية لضمان دخول بوتين وعودته. لكن أي هبوط اضطراري في دولة مُلزَمَة بمذكرة التوقيف سيُعيد السيناريو القانوني إلى الواجهة، ويجعل التطبيق الفعلي للمذكرة محل اختبار سياسي وقضائي شديد الحساسية.
طريق السلام يمر بالمخاطرة
السيناريو العملي الأقرب لنجاح القمة يقوم على مزيج من مسار جوي التفافي طويل وحماية لوجستية دقيقة، إلى جانب تفاهمات سيادية صامتة تمنح استثناءات عابرة أو تضمن عدم هبوط اضطراري في دول مُلزَمة بمذكرات التوقيف. في النهاية، قدرة بوتين على الوصول إلى بودابست بأمان لا تعتمد فقط على خريطة المسارات الجوية، بل على شبكة من الترتيبات الدبلوماسية والأمنية والقانونية التي قد تُبقي الاحتمالات القانونية جانبًا مقابل أولوية استكمال مساعي السلام — أو قد تُدفع بالقمة إلى العودة خطوة إلى الوراء لو سادت المخاطر.
اقرأ أيضاً
منصة غامضة تثير ذعر واشنطن.. هل كانت محاولة جديدة لاستهداف ترامب؟
