الذهب يفقد بريقه.. أكبر موجة بيع تهز الأسواق منذ 2020

تعرّضت أسواق المعادن النفيسة لهزة قوية يوم الثلاثاء، بعد أن شهد الذهب أكبر موجة بيع يومية منذ عام 2020، متراجعًا بنسبة تجاوزت 5٪ عقب صعود تاريخي وصل فيه سعر الأونصة إلى 4381 دولارًا في بداية الأسبوع. هذا التراجع المفاجئ جاء بعد أسابيع من الارتفاع المتواصل الذي غذّته المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي، وازدياد الطلب على الذهب كملاذ آمن في ظل اضطراب أسواق الأسهم والدولار. ومع تجاوز الأسعار حاجز 25٪ من المكاسب خلال شهرين فقط، رأى محللون أن السوق دخلت حالة “تشبع شرائي” جعلت الهبوط مسألة وقت. وبالفعل، جاءت عمليات البيع المكثفة لتضع حدًا لصعود اعتبره الخبراء “غير مستدام”، خصوصًا بعد تراكم مراكز المضاربة قصيرة الأجل في الأسواق العالمية.
تصحيح حاد بعد مكاسب فلكية
تراجع الذهب خلال جلسة الثلاثاء إلى مستوى 4082 دولارًا للأونصة، قبل أن يغلق عند 4125 دولارًا في بورصة نيويورك، في حركة وصفتها الأسواق بأنها “تصحيح حاد” بعد مكاسب غير منطقية. وأوضحت نيكي شيلز، المحللة في شركة MKS Pamp، أن الأسعار وصلت إلى “طبقة الستراتوسفير”، في إشارة إلى أنها تجاوزت بكثير مستوياتها العادلة. وأضافت أن الزخم الشرائي المتسارع خلال الأسابيع الماضية دفع المستثمرين إلى مراكمة أرباح هائلة، ما جعل أي إشارة سلبية كفيلة بإطلاق عمليات بيع جماعية. وأشارت إلى أن هذا التراجع لا يعني نهاية الصعود، بل يمثل استراحة مؤقتة تسمح للسوق بإعادة التوازن قبل تحديد الاتجاه القادم.
أسباب الانخفاض المفاجئ
يرى محللون أن موجة الهبوط الأخيرة لم تأتِ من فراغ، بل كانت نتيجة تلاقي عدة عوامل في وقت واحد. فبوادر التهدئة بين الولايات المتحدة والصين قلّلت من المخاوف التجارية التي كانت تدعم الطلب على الذهب كملاذ آمن، بينما أدى ارتفاع الدولار الأمريكي في الأيام الأخيرة إلى تقويض جاذبية المعدن الأصفر للمستثمرين الأجانب. كما أن نقص بيانات العقود الآجلة بسبب الإغلاق الحكومي الأمريكي خلق حالة من الضبابية في الأسواق، دفعت المتعاملين إلى الحذر وتقليص مراكزهم. كذلك، أسهم انتهاء موسم الشراء في الهند – ثاني أكبر مستهلك عالمي – بعد احتفالات الديwali في كبح الطلب الفعلي، ليجتمع كل ذلك في دفع الأسعار نحو أكبر تراجع يومي منذ أربع سنوات.
موجة بيع تضرب المعادن النفيسة
لم يكن الذهب وحده الخاسر في هذه العاصفة المالية، إذ شهدت باقي المعادن الثمينة موجة بيع مشابهة عكست مزاجًا متوترًا لدى المستثمرين. فقد تراجعت أسعار الفضة بنسبة 7.4٪، بينما فقد البلاتين نحو 5٪ من قيمته، ما يشير إلى أن السوق تمر بمرحلة “تصحيح شامل” لا تقتصر على أصل واحد. ويؤكد خبراء السلع أن المتعاملين اتجهوا إلى تسييل مراكزهم في المعادن بعد الارتفاع المفرط في الأسعار، مستفيدين من الفرصة لجني الأرباح السريعة. كما ساهم ارتفاع عوائد السندات الأمريكية في جذب بعض رؤوس الأموال بعيدًا عن المعادن، باعتبارها أصولًا لا تدر دخلًا، وهو ما عمّق من خسائر القطاع بأكمله خلال يوم واحد فقط.
خلف صعود الذهب التاريخي
لم يكن صعود الذهب إلى قمم قياسية وليد الصدفة، بل ثمرة تراكم عوامل اقتصادية وجيوسياسية معقدة. فقد غذّت المخاوف من تضخم الديون الحكومية وتراجع الدولار الأمريكي موجة شراء واسعة، مدعومة بزيادة لافتة في مشتريات البنوك المركزية التي سعت إلى تنويع احتياطاتها النقدية بعيدًا عن العملة الأمريكية. كما ساهم تصاعد التوترات التجارية خلال حرب الرسوم بين واشنطن وبكين في تعزيز جاذبية الذهب كملاذ آمن. وفي الأسواق المالية، استقطبت صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب تدفقات بلغت نحو 26 مليار دولار في سبتمبر وحده، بينما ازدهر الطلب الفردي على السبائك والعملات الذهبية في آسيا، من اليابان حتى أستراليا، في مشهد يعكس ثقة المستثمرين بقيمة المعدن على المدى الطويل.
التراجع المؤقت لا يلغي الاتجاه الصاعد
على الرغم من الخسارة الحادة، يرى محللون أن التراجع الحالي ليس سوى محطة عابرة في مسار طويل من الارتفاعات. وتقول سوكي كوبر، محللة المعادن في ستاندرد تشارترد، إن ما يحدث “تصحيح تقني طبيعي” لا يغير الاتجاه الصاعد للذهب على المدى الطويل، مشيرة إلى أن الزخم الاستثماري المؤسسي لا يزال قويًا. وترجح كوبر أن تشهد السوق فترة من التذبذب قبل أن تستعيد الأسعار قوتها مدفوعة بمخاوف التضخم وتباطؤ الاقتصاد العالمي. وبالنظر إلى أن الذهب ما زال مرتفعًا بأكثر من 50٪ منذ بداية 2025، فإن المعدن النفيس يحتفظ بمكانته كأحد أقوى الأصول أداءً هذا العام، رغم العاصفة التي هزّت بريقه مؤقتًا.



