“حزب أمريكا” بقيادة إيلون ماسك: بداية ثورة سياسية أم فقاعة رقمية؟
إعلان مثير من ماسك يفتح الباب أمام تساؤلات حول جدية المشروع ومصيره وسط النظام السياسي الأمريكي المغلق.

في تحول مفاجئ من عالم التكنولوجيا إلى السياسة، أعلن الملياردير إيلون ماسك في يوليو عن تأسيس حزب سياسي جديد يحمل اسم “حزب أمريكا”، معلناً رغبته في كسر احتكار الحزبين الجمهوري والديمقراطي و”استعادة الحرية السياسية”، على حد تعبيره. الإعلان أثار جدلاً واسعاً حول أهداف ماسك الحقيقية، وجدوى هذا المشروع في مناخ سياسي أمريكي شديد الاستقطاب.
“نظام ذو حزب واحد”: تصريحات نارية بلا خطة واضحة
خلال الإعلان، وصف ماسك النظام السياسي الأمريكي بأنه “حزب واحد يتقاسم الفشل”، في إشارة إلى ما يراه من فساد وهدر يطال الحزبين الكبيرين. لكن رغم الخطاب الحماسي، لم يقدم أي برنامج سياسي مفصل، واكتفى بعبارات عامة حول رفض الديون والقوانين المثيرة للجدل، مما جعل المراقبين يشككون في جدية الطرح.
تأسيس مرتجل ورد فعل غاضب؟
يرى كثيرون أن الحزب الجديد جاء كرد فعل على خلافات ماسك الأخيرة مع دونالد ترامب، أكثر منه كمبادرة سياسية مدروسة. إذ فشل ماسك حتى في حجز اسم النطاق الرسمي للحزب، واضطر إلى استخدام منصة X بحساب بديل (@AmericaPartyX)، ما يعكس ضعفاً واضحاً في التخطيط المؤسسي.
طموحات انتخابية محدودة… لكن ذات أهداف استراتيجية
يطمح ماسك، بحسب تصريحات مقربين منه، إلى الفوز بعدد محدود من المقاعد في الكونغرس (من 2 إلى 3 في مجلس الشيوخ و10 في مجلس النواب)، بهدف تشكيل كتلة ترجيحية. ورغم أن هذا الطموح يبدو واقعياً، إلا أن الخبراء يشككون في قدرته على منافسة شبكات الحزبين التقليديين، ذات النفوذ العميق والخبرة الانتخابية الطويلة.
عقبات أمام أي حزب ثالث: النظام لا يرحب بالمنافسة
يقول برنارد تاماس، أستاذ العلوم السياسية بجامعة فالدوستا، إن البنية العميقة للنظام السياسي الأمريكي تجعل من الصعب لأي حزب ثالث أن ينجح. فالعقبة لا تتعلق بالتمويل فقط، بل تشمل السيطرة المؤسسية للحزبين على المستشارين، الإعلام، الأجهزة المحلية، وحتى قوانين الانتخابات.
حزب بلا أيديولوجيا = حزب بلا جمهور
أحد أبرز الانتقادات الموجهة إلى “حزب أمريكا” هو غياب رؤية أيديولوجية واضحة. فكما فشل حزب “Forward” بقيادة أندرو يانغ بسبب الغموض السياسي، يواجه حزب ماسك المشكلة نفسها. فالناخبون يريدون معرفة الموقف من قضايا مثل الهجرة، الرعاية الصحية، الضرائب، التعليم، وليس فقط الشعارات.
إيلون ماسك: عبء سياسي بدل أن يكون رصيداً
رغم مكانته كرائد أعمال عالمي، إلا أن ماسك لا يتمتع بشعبية سياسية واسعة داخل أمريكا. فاستطلاع حديث كشف أن 60% من الأمريكيين يحملون انطباعاً سلبياً عنه، مقابل 32% فقط يرونه بإيجابية. أسلوبه الاستفزازي وتدخله في قضايا حساسة يجعله شخصية مستقطِبة أكثر من كونه موحِّدة.
تحالفات مثيرة للجدل… وقلق من الانحراف الراديكالي
التحالف مع شخصيات مثيرة مثل كورتيس يارفن، المعروف بدعوته لنهاية الديمقراطية الأمريكية، أثار موجة من التحفظات. فمثل هذه الشخصيات قد تُنفّر القواعد المعتدلة وتربط الحزب الجديد بأجندات متطرفة تضر بمصداقيته وشعبيته المحتملة.
تجارب سابقة: تأثير محدود… بلا حكم
التاريخ الأمريكي مليء بمحاولات تأسيس أحزاب ثالثة، مثل حزب التقدميين أو العمال-الفلاحين، لكنها لم تصل للحكم أبداً، بل لعبت دوراً في الضغط على الحزبين التقليديين لتبني بعض مطالبها. وهو ما قد يتكرر مع حزب ماسك، إن استطاع الصمود سياسياً.
الفجوة بين دعم الاستطلاعات والواقع الانتخابي
رغم أن بعض الاستطلاعات تُظهر دعماً نظرياً لفكرة “حزب ثالث” (بنسبة تصل إلى 40%)، إلا أن التجربة الفعلية في صناديق الاقتراع تُظهر غير ذلك. فمرشحو الأحزاب الثالثة لم يتجاوزوا نسبة 15% من الأصوات منذ عقود، ما يعكس فجوة واضحة بين الرغبة الشعبية والتنفيذ العملي.
مفارقة تكنولوجية: حزب بلا موقع رسمي!
في مشهد غريب لرائد تكنولوجي، لم يتمكن ماسك من الحصول على اسم النطاق AmericaParty.com، حيث يُعرض للبيع بـ6.9 مليون دولار. كما لا يوجد حتى الآن ميثاق أو وثيقة تأسيسية أو خطة عمل منشورة، مما يجعل المشروع يبدو أقرب إلى حملة إعلامية ارتجالية منه إلى مبادرة سياسية حقيقية.
خلاصة:
قد يكون إيلون ماسك محقاً في توصيف أزمة السياسة الأمريكية، لكن الحل لا يأتي عبر مشاريع شخصية تفتقر للرؤية والمؤسسة. فالنظام السياسي الأمريكي لا يمنح الفرص للمغامرات الفردية، بل يكافئ التنظيم، القواعد الشعبية، والعمل الطويل الأمد. وحتى الآن، يبدو أن “حزب أمريكا” مجرد صدى ضجيج جديد في ساحة مكتظة بالضوضاء.
أقرأ أيضاً:
روسيا تطلق مشروع مروحية “مي-80″: تحديث إستراتيجي بديل لـ”الهيب” رغم العقوبات.