في طريقه للعودة إلى البيت الأبيض، يعرض ترامب خطة مالية توصف بأنها “الأشد قسوة” منذ 40 عامًا
مشروع ميزانية ترامب: تقشف يطحن الفقراء... وامتيازات فاحشة للأثرياء

بينما يواصل دونالد ترامب حملته الطامحة لاستعادة رئاسة الولايات المتحدة في 2025، عاد إلى دائرة الجدل بخطة مالية مثيرة للجدل وُصفت في تقرير نشرته صحيفة الجارديان بأنها “وحشية” بكل ما تحمله الكلمة من معنى. المشروع الذي يروّج له الرئيس الأميركي السابق يضرب البرامج الاجتماعية في العمق، ويعيد توجيه الثروة الوطنية بشكل صارخ من الفقراء إلى الأثرياء، في مشهد يصفه خبراء بأنه الأسوأ منذ عقود.
سكين الميزانية على رقاب الفقراء
المشروع يتضمن خفضًا شديدًا في برامج أساسية تمسّ حياة الملايين، مثل “ميديكيد” و”أوباما كير” والدعم الغذائي. المستهدفون بشكل مباشر هم قرابة 30% من الأميركيين، خصوصًا من لا يتجاوز دخل أسرهم 50 ألف دولار سنويًا. تلك الفئات قد تواجه فقدانًا فعليًا لخدمات صحية وغذائية حيوية، بينما يتم تمديد التخفيضات الضريبية التي تعود بالفائدة الكبرى على الشريحة الأغنى، بتكلفة تقارب 3 تريليونات دولار.

أرباح طائلة للأغنياء… وخسائر مؤلمة للفقراء
النتائج المتوقعة من هذه الخطة تكشف خللًا فادحًا في توزيع العبء الاقتصادي. فبينما تتكبد العائلات الأشد فقرًا خسائر تُقدَّر بنحو 1600 دولار سنويًا، أي ما يقارب 4% من دخلها، فإن الأسر ذات الدخول التي تتجاوز 692 ألف دولار ستحصل على مكاسب مالية تُقدّر بـ12 ألف دولار في المتوسط. أما الفئة الأشد ثراءً – 0.1% من السكان – فستنعم بخصومات ضريبية قد تصل إلى أكثر من 100 ألف دولار سنويًا.
خطر يهدد صحة الملايين
وفقًا لمؤسسة “سنشري”، فإن الخطة قد تتسبب في فقدان نحو 16 مليون أميركي لتأمينهم الصحي، مما يرفع عدد غير المؤمن عليهم في البلاد إلى قرابة 45 مليون شخص. هذا التدهور في خدمات التأمين لا يعني فقط ارتفاعًا في أعباء المواطنين، بل أيضًا أزمة صحية واجتماعية تلوح في الأفق، خصوصًا مع ارتفاع تكاليف الرعاية الطبية في أميركا إلى مستويات قياسية.
محاربة الفساد؟ أم محاربة الفقراء؟
يدافع ترامب عن مشروعه مدعيًا أن الهدف من التخفيضات هو مكافحة “الهدر والاحتيال”. لكن تقارير تحليلية تؤكد أن 96.5% من الخفض لا علاقة له بأي فساد، بل يمس بشكل مباشر برامج أساسية يعتمد عليها ملايين الأميركيين يوميًا.
حتى الكنيسة تقول: لا!
الموقف لم يأتِ من المعارضة وحدها، بل امتد إلى المؤسسة الدينية. رئيس أساقفة الولايات المتحدة، المطران تيموثي بروغليو، انتقد المشروع علنًا، معتبرًا أنه “ينزع من الفقراء ليمنح الأثرياء”. كما أظهرت استطلاعات الرأي – منها استطلاع لشبكة “فوكس نيوز” – أن 59% من الأميركيين يرفضون المشروع.
التعليم خارج الحسابات… والمساعدة تذهب لغير المستحقين
الخطة لا تتوقف عند الصحة، بل تضرب كذلك مستقبل التعليم. فالمشروع يقترح خفضًا كبيرًا في منح “بيل” الدراسية التي يستفيد منها أكثر من 4.4 مليون طالب من أبناء الأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض. والأسوأ أن تعديل ضريبة الأطفال يمنح الأزواج الذين يكسبون 400 ألف دولار سنويًا خصومات إضافية، في حين لا يحصل رب الأسرة الذي لا يتجاوز دخله 16 ألف دولار على أي زيادة.
وعود براقة تخفي واقعًا مريرًا
بينما يُروّج ترامب لإلغاء ضرائب على البقشيش والساعات الإضافية كنوع من “الدعم للعمال”، يرى خبراء الضرائب أن هذه الإجراءات تخدم فئة ضيقة من أصحاب الدخول المرتفعة، ولا تمس فعليًا حياة من يعملون بأجور متدنية أو في وظائف لا تقدم استقرارًا ماليًا.
نهاية الدعم للطاقة النظيفة… وبداية تسريح العمال؟
ميزانية ترامب المقترحة تسدل الستار على عدد من برامج الطاقة المتجددة التي أطلقها بايدن، والتي خلقت فرص عمل صناعية جديدة في قطاعات واعدة. إلغاء هذه البرامج قد يعني ضياع مئات آلاف الوظائف، ويهدد بتراجع تنافسية الاقتصاد الأميركي على المدى الطويل.
رسوم جمركية تُرهق الفقراء… أكثر من الأغنياء
المفارقة الأكبر أن الفقراء سيدفعون نسبة أعلى من دخلهم بسبب الرسوم الجمركية – تصل إلى 5.5% – أي أكثر من ضعف ما يتحمله الأثرياء. إنها ضريبة خفية تضاف إلى فاتورة الحياة اليومية التي تتضخم عامًا بعد عام.
ميزانية “بلا قلب”
وصفها تشاك مار، نائب مدير مركز السياسات الضريبية، بأنها “الأكثر قسوة منذ أربعين عامًا”. مشروع لا يضع في حسبانه العامل أو الطالب أو الأسرة الفقيرة، بل يُعيد توزيع الثروة في اتجاه واحد: من الأسفل إلى الأعلى، من الفقراء إلى الأثرياء، من الشارع إلى ناطحات السحاب.