نيويورك تايمز: زيلينسكي يناور بوتين… وأوروبا ترسم خريطة أمن جديدة

في خضم تراجع نسبي في التصعيد التجاري بين الولايات المتحدة والصين، وتحديداً بعد التهدئة المؤقتة في ملف الرسوم الجمركية، لا تُظهر بكين أي نية للاسترخاء أو التراجع عن سياساتها الاستراتيجية، بل يبدو أنها باتت تُعيد تموضعها لخوض مواجهة طويلة المدى مع واشنطن تمتد إلى ما هو أبعد من التجارة. فالصين، التي أدركت أن المواجهة مع الولايات المتحدة لم تعد مجرد خلاف اقتصادي بل صراع بنيوي على النفوذ العالمي، بدأت تتبنى نهجاً مزدوجاً: السعي إلى تنويع شراكاتها الاقتصادية، خاصة داخل آسيا ومع دول الجنوب العالمي، وفي الوقت ذاته ترسيخ حضورها العسكري والسياسي في مناطق التوتر، لا سيما بحر الصين الجنوبي وتايوان.
هذا التحول لا يأتي بمعزل عن إدراك صيني متزايد بأن الولايات المتحدة لم تعد فقط خصماً تجارياً، بل خصماً يسعى إلى احتواء النفوذ الصيني المتصاعد من خلال تحالفات أمنية جديدة (مثل “أوكوس” و”كواد”) ومنافسة تكنولوجية محتدمة. ومن هنا، تُعزز بكين تحالفاتها البديلة وتُكثف استثماراتها في البنية التحتية، خاصة عبر مبادرة الحزام والطريق، في محاولة لبناء جبهة دولية متعاطفة أو على الأقل غير منحازة في الصراع المحتدم. وبينما تهدأ نار الرسوم الجمركية، تتسع رقعة الصراع الجيوسياسي، في ظل إدراك متبادل لدى العاصمتين أن المواجهة أصبحت طويلة النفس، ومتعددة الجبهات.

بكين تراقب واشنطن ولا تثق في نواياها
رغم الاتفاق على خفض مؤقت للتعريفات الجمركية بين الجانبين، لا ترى الصين هذه الخطوة سوى كتراجع تكتيكي من جانب الولايات المتحدة، دون أن يعكس تحوّلاً جوهريًا في سياساتها العدائية تجاه الحزب الشيوعي الصيني، وفقًا لعدد من الخبراء. ويبدو أن بكين تحتفظ برؤية قاتمة تجاه واشنطن، خاصة في ظل جهود البنتاغون لتعزيز وجوده العسكري في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وقيود التكنولوجيا المستمرة على بكين.

لقاء محتمل بين شي وترامب… لكنه لن يبدّد الشكوك
قد تفتح التهدئة الحالية الباب أمام اتصال مباشر أو قمة تجمع الرئيسين دونالد ترامب وشي جين بينغ، إلا أن محللين أشاروا إلى أن التجربة السابقة مع ترامب قلّصت من الآمال في أن يكون رجل الصفقات مستعدًا لتنازلات حقيقية. ويرى مسؤولون صينيون أن إدارة ترامب تتبع نمطًا متكررًا من التصعيد ثم التراجع، ما يجعل بكين في حالة تأهب مستمر.
دبلوماسية الصين المزدوجة: وعود اقتصادية مقابل تشدد إقليمي
في جولة شملت فيتنام وكمبوديا وماليزيا، ومحادثات مع قادة من أمريكا اللاتينية، حاول شي تقديم الصين كبديل موثوق ومستقر في ظل سياسات ترامب الحمائية. إلا أن هذه اللغة التصالحية ترافقها رسائل حازمة، لا سيما في ما يتعلق بالمطالب الإقليمية في بحر الصين الجنوبي وجزر دياويو (المتنازع عليها مع اليابان).
وفي يوم إعلان هدنة التعريفات، أصدرت الصين وثيقة أمن قومي تؤكد تنامي “التهديدات الخارجية” لمناطق حدودها، في إشارة واضحة إلى تحالفات تقودها الولايات المتحدة في المنطقة.

استمرار الاستفزازات في المناطق المتنازع عليها
في مطلع مايو، حلّقت مروحية تابعة لحرس السواحل الصيني في أجواء الجزر المتنازع عليها مع اليابان، في تصعيد جديد للتوتر. وفي بحر الصين الجنوبي، نزلت قوات صينية في “ساندي كاي”، وهي جزيرة صغيرة تطالب بها الفلبين أيضًا، قبيل انطلاق مناورات عسكرية أميركية-فلبينية.
تايوان… بؤرة التوتر الأعظم
تظل تايوان محور القلق الأكبر لدى القيادة الصينية. ففي أبريل، نفّذت الصين مناورات عسكرية تحاكي حصار الجزيرة، في إشارة واضحة إلى استعداد بكين لاستخدام القوة لمنع استقلال تايوان.
ويقول مسؤولون وخبراء إن القيادة الصينية لا ترى تعارضًا بين تقديم الحوافز الاقتصادية لجيرانها من جهة، والتشدد الإقليمي والعسكري من جهة أخرى. بل ترى في الجمع بين النهجين وسيلة فعالة لإعادة تشكيل علاقاتها مع دول الجوار، خصوصًا تلك التي تقاربت مؤخرًا مع واشنطن.

واشنطن لم تفقد حلفاءها في آسيا
رغم تصاعد التوتر بين واشنطن وبعض حلفائها الأوروبيين، فإن العلاقات الأمنية الأميركية في آسيا لا تزال قوية، حيث أظهر ترامب التزامه بعلاقات استراتيجية مع اليابان والهند وأستراليا. وزير خارجيته الجديد، ماركو روبيو، شارك في اجتماع رباعي مع هؤلاء الحلفاء بعد يوم واحد من توليه المنصب.
ويشير مسؤولون سابقون في إدارة بايدن إلى أن التحالفات الأمنية في آسيا ما زالت متماسكة رغم الخلافات التجارية، وهو ما يضع الصين في موقف صعب، حيث تعتبرها هذه الدول تهديدًا أمنيًا مباشرًا.
الماضي القريب لا يبعث على التفاؤل
تجربة الصين في ولاية ترامب الأولى شابها التوتر والشكوك: حرب تجارية، ثم اتفاق لم يصمد، وتبادل اتهامات بشأن منشأ فيروس كورونا، بالإضافة إلى تقييد صادرات التكنولوجيا. ورغم تراجع التصعيد الحالي، لا يُتوقع أن يستمر طويلاً.
كما يقول الباحث الصيني شن دينغلي: “إذا استمرت التراجعات المتبادلة في النزاعات التجارية، فقد نشهد تحسنًا مؤقتًا في العلاقات، لكن الخلافات العميقة ستعاود الظهور لاحقًا، لأن نقاط الخلاف كثيرة جدًا.”