الإسكان المكسور يدفع الأوروبيين نحو اليمين المتطرف
أزمة الإسكان الأوروبية تخرج عن السيطرة وتحول المنازل إلى أدوات استثمارية

تشهد أوروبا أزمة “الإسكان المكسور” التي تدفع بالملايين نحو حافة التهميش، وتغذي موجات الغضب الشعبي التي يستثمرها اليمين المتطرف سياسيًا.
من لشبونة إلى أمستردام، ترتفع أسعار المنازل والإيجارات إلى مستويات قياسية، ما يؤدي إلى اتساع فجوة عدم المساواة بين من يملكون ومن لا يملكون، وسط عجز السياسات الوطنية عن كبح جماح الأزمة.
فجوة تتسع في قلب المدن
تُعد أزمة السكن واحدة من أكثر التحديات الاجتماعية حدة في القارة الأوروبية. فقد ارتفعت أسعار العقارات في الاتحاد الأوروبي بنسبة 50% بين عامي 2015 و2023، بينما زادت الإيجارات بنسبة 18% من 2010 حتى 2022، وفق بيانات رسمية.
في لشبونة، أدت الحوافز الممنوحة للمستثمرين الأجانب إلى طرد السكان المحليين من سوق الإسكان، في حين يعيش كثير من العائلات اليوم داخل غرف مستأجرة بدلًا من شقق كاملة.
بينما في أمستردام، فإن الفجوة بين الأجيال أصبحت صارخة، إذ يتمتع كبار السن بإسكان اجتماعي ثابت، بينما يُترك الشباب فريسة لسوق الإيجارات الخاصة المرتفعة.
في بودابست، أسهم تفكيك المخزون السكني العام بعد انهيار الشيوعية في حرمان الجيل الجديد من فرص تملك العقارات.
على النقيض، تُعد فيينا نموذجًا فريدًا، حيث تحتفظ بمخزون مستدام من الإسكان الاجتماعي يحد من ارتفاع الأسعار.
منازل تتحول إلى أدوات للربح
تُظهر التقارير أن السياسات الأوروبية خلال العقود الأخيرة خدمت المستثمرين أكثر من السكان.
فقد اجتذبت سوق العقارات صناديق استثمار ضخمة، من شركات تأمين إلى صناديق تقاعد، حوّلت المنازل إلى أدوات لتراكم الثروة، ما ساعد على نقل الثروة من الفقراء إلى الأغنياء، وأشعل مشاعر الغضب الشعبي.
في هذا السياق، يجد اليمين المتطرف بيئة خصبة لتأجيج السخط العام واستثماره سياسيًا، وقال المفوض الأوروبي للوظائف والحقوق الاجتماعية، نيكولا شميت: “مشكلة السكن تمزق مجتمعاتنا وقد تُشكل خطرًا على ديمقراطياتنا”.
ورغم أن ملف الإسكان يخضع للسياسات الوطنية، فإن الاتحاد الأوروبي أطلق في 2024 مبادرة تدعو إلى “صفقة جديدة للإسكان الاجتماعي والميسر”، أقرّها جميع وزراء الإسكان الأوروبيين.
هل يمكن إنقاذ الموقف؟
تؤكد التقارير أن الحلول موجودة، لكنها تتطلب إرادة سياسية موحدة واعترافًا بأن الأزمة تتجاوز الحدود الوطنية.
بدون تحرك جماعي، سيظل سوق الإسكان المكسور يدفع المزيد من الأوروبيين إلى الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية، ويمنح الشعبويين فرصة جديدة لصعود سياسي غير مسبوق.