علي خامنئي: المرشد الأعلى لإيران في مواجهة خيارات صعبة ومأزق غير مسبوق
بعد عقود من تفادي المآزق، بات القائد الإيراني محاطًا بتحديات سياسية وعسكرية

يجد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، آية الله علي خامنئي، نفسه في وضع حرج لم تشهده مسيرته الطويلة
في السلطة. بعد عقود من تفادي المآزق، بات القائد الإيراني، البالغ من العمر 84 عامًا، محاطًا بتحديات سياسية وعسكرية
داخلية وخارجية متزامنة، تهدد بتوازن دقيق لطالما حافظ عليه.
ظهور علني نادر ورسائل قاطعة في ظل تصاعد التوتر
في أكتوبر الماضي، وفي أول ظهور علني له منذ خمس سنوات، أطلّ المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي على الآلاف في
مسجد بطهران. كانت رسالته واضحة وصارمة: “إسرائيل لن تدوم طويلاً”. جاء هذا الخطاب الحماسي خلال خطبة الجمعة،
داعيًا إلى “الثبات في مواجهة العدو وتعزيز الإيمان”.
تأتي هذه الرسالة القوية بعد أيام قليلة من اغتيال إسرائيل لـ حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، عبر غارة جوية ضخمة
استهدفت مقره في بيروت. كانت هذه الضربة مؤلمة لخامنئي على المستويين السياسي والشخصي، كونه صديقًا شخصيًا
لنصر الله منذ عقود.
تصاعد الهجمات الإسرائيلية: دفاعات إيرانية عاجزة وتفكك المحاور
مع انطلاق الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران، يبدو أن خامنئي يتعرض لضربة أشد قسوة. لقد دمرت الغارات الإسرائيلية
مواقع استراتيجية داخل إيران، في حين لم يفلح الرد الإيراني بهجمات صاروخية ومسيرات في وقف القصف الإسرائيلي. بدت
دفاعات إيران الجوية عاجزة عن صد الهجمات، كما أن التحالف العسكري الذي راهن عليه خامنئي لتطويق إسرائيل بدا وكأنه
يتفكك تقريبًا. هذه التطورات تضع المرشد الأعلى في مأزق لم يكن يتوقعه.
مسيرة حياة قائد الثورة: من المعارضة إلى قمة السلطة
لطالما سعى خامنئي، رجل الثورة الحذر، إلى تفادي الوقوع في الزوايا الحرجة طوال حياته. هذا الرجل المحافظ، الذي يتدرج
في مواقفه حينًا ويكون شرسًا في ولائه لمبادئ الثورة حينًا آخر، بات اليوم يواجه ما حاول دائمًا تجنبه: مأزق سياسي
وعسكري داخلي وخارجي متزامن.
وُلد خامنئي في مشهد شرق إيران لعائلة متواضعة، والده كان رجل دين بسيط. في ستينيات القرن الماضي، بدأت رحلته في
صفوف المعارضة الإسلامية ضد الشاه، متأثرًا بأفكار الإمام الخميني الذي كان حينها في المنفى. بحلول نهاية العقد، أصبح
خامنئي من قيادات الحركة السرية، يقوم بنقل رسائل الخميني وينسج شبكات المقاومة.
على الرغم من إعجابه المعلن بأدب الغرب – من تولستوي إلى هوجو إلى شتاينبك – فقد تأثر خامنئي بعمق بأدبيات معاداة
الاستعمار. وقد قام بترجمة أعمال سيد قطب إلى الفارسية، واحتك بتيارات تمزج الإسلام بالماركسية.
من السجن إلى قيادة الثورة: توطيد السلطة لعقود
سُجن خامنئي عدة مرات، لكنه شارك بفاعلية في الاحتجاجات الشعبية عام 1978 التي مهدت لسقوط الشاه. ومع عودة
الخميني إلى إيران، كان خامنئي أحد أبرز رجاله، ونجا من محاولة اغتيال عام 1981 أفقدته استخدام ذراعه، ليصبح بعدها
رئيسًا للجمهورية.
عند وفاة الخميني عام 1989، تم تعديل الدستور ليتمكن خامنئي من تولي منصب المرشد الأعلى على الرغم من مؤهلاته
الدينية المحدودة نسبيًا. منذ تلك اللحظة، بدأ خامنئي في بناء نظام معقد يعتمد على أجهزة أمنية قوية، أبرزها الحرس
الثوري، وعلى شبكة واسعة من التحالفات تضم رجال دين وقيادات عسكرية واقتصادية.
خلال التسعينيات، عزز خامنئي قبضته الحديدية: تخلص من خصومه، ولاحق الأمن المعارضين في الداخل والخارج، حتى
أولئك الذين انتقدوه بشكل غير مباشر في شعرهم. كما دعم علاقة إيران بحزب الله، وأبقى قبضته على مفاصل الدولة الرئيسية.
عندما فاز محمد خاتمي، الإصلاحي، برئاسة الجمهورية عام 1997، سمح له خامنئي بهامش من الحركة لكنه قيد محاولاته
للانفتاح، خاصة مع الغرب بعد أحداث 11 سبتمبر. ورغم عدم معارضته الصريحة للاتفاق النووي عام 2015، بقي خامنئي
متحفظًا، موازنًا بين تيارات النظام المختلفة، لا سيما المتشددين في الحرس الثوري الذين يفضلون تطوير برنامج نووي أكثر عدوانية.
تراجع المشروع الإقليمي وتصاعد السخط الداخلي
على الصعيد الخارجي، ضخ خامنئي موارد هائلة في ما يعرف بمحور المقاومة، فدعم حماس، وحزب الله، والحوثيين،
وميليشيات متعددة في العراق وسوريا. لكن هذه الاستراتيجية انهارت تدريجيًا، خاصة بعد الانهيارات الأخيرة في سوريا
وسقوط نظام الأسد، الحليف الأساسي لطهران.
داخليًا، واجه النظام موجات متكررة من التظاهرات، والتي قوبلت بحملة قمع عنيفة، لا سيما ضد النساء والأقليات. ومع تدهور
الوضع الاقتصادي، ازداد الاستياء الشعبي، وابتعد حتى بعض مؤيدي الثورة عن النظام.
المرشد الأعلى: لحظة الحقيقة والامتحان الأخير
اليوم، يعيش خامنئي في مجمع سكني متواضع في شارع فلسطين بطهران، برفقة زوجته وأبنائه، مقدّمًا نفسه كمثال
للزهد. لكن بعض الإيرانيين يشككون في هذه الصورة، ويرونها ستارًا لحجب سلطة مطلقة وثروة غير معلنة.
بعد أكثر من ثلاثين عامًا في السلطة، يقف الرجل الذي سعى إلى الحفاظ على إرث الخميني ونظامه، على حافة النهاية.
صحته تتراجع، وتكهنات الخلافة تتصاعد، ومشروعه الإقليمي في تراجع. التوازن القاسي الذي حافظ عليه طويلًا قد لا يصمد
كثيرًا، وربما تكون هذه المواجهة هي امتحانه الأخير.