الاقتصاد

ترامب يرفع الجدار الجمركي: أمريكا تسجل أعلى مستوى للرسوم 

في عودة دراماتيكية إلى نهج الحماية الاقتصادية، أعاد دونالد ترامب تعريف خريطة التجارة العالمية خلال ولايته الثانية، رافعًا مستوى الرسوم الجمركية الأمريكية إلى ما يقارب 17.3%، وهو الأعلى منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية.

فمنذ لحظة عودته إلى البيت الأبيض في يناير، أطلق ترامب موجة من التعريفات والاتفاقيات التجارية التي غيّرت قواعد اللعبة، وفرضت واقعًا اقتصاديًا جديدًا، لا على واشنطن فحسب، بل على الاقتصاد العالمي بأسره.

هذه السياسات، التي تخللتها صفقات جزئية ومفاوضات مكثفة، تركت أثرًا عميقًا على الأسواق العالمية، فبينما رحّب المستثمرون مؤقتًا بتلك الاتفاقات كـ”هدنة”، تُطرح الآن أسئلة أكثر عمقًا حول كلفة تلك الجدران الجمركية على المدى الطويل.

تعريفات بأثر رجعي: العودة إلى زمن “سموت-هاولي”

بحسب تقديرات “ميزانية ييل”، وصلت الرسوم الفعلية على الواردات الأمريكية إلى 17.3%، مقتربة من المعدلات التي شهدتها الولايات المتحدة عقب قانون “سموت-هاولي” في 1930. وتشمل هذه القفزة الرسومية الاتفاق الأخير مع الاتحاد الأوروبي، الذي يندرج ضمن استراتيجية ترامب لفرض “رسوم متبادلة” على الدول غير المتعاونة تجاريًا.

نصف الواردات الأمريكية داخل الجدار الجمركي

أبرم ترامب اتفاقات تثبّت تعريفات مرتفعة على نحو 45% من إجمالي الواردات الأمريكية، ما يُنذر بإعادة ترتيب جذرية في مسارات التجارة العالمية. حتى الآن، لم تشمل هذه الرسوم كندا والمكسيك، اللتين تخضعان لنظام جمركي خاص يستهدف أمن الحدود ومكافحة تهريب الفنتانيل، وفقًا لترامب.

صفقات بلا نصوص: ارتباك وتضارب في التفاصيل

رغم كثافة توقيع الاتفاقات مع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا واليابان وإندونيسيا والفلبين وفيتنام، لم تُنشر سوى بيانات مشتركة محدودة، فيما أبدت بعض الدول – كبريطانيا واليابان – تفسيرات متباينة لمضامين الصفقات، ما يثير تساؤلات حول مدى الالتزام الحقيقي بهذه الاتفاقيات.

رد فعل الأسواق: ابتهاج مؤقت يليه شكوك متزايدة

شهدت أسواق الأسهم في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان ارتفاعات قياسية، مدفوعة بتفاؤل المستثمرين بتوقيع اتفاقات بدت وكأنها تحوّل “حرب ترامب التجارية” إلى هدنة. غير أن خبراء كجيري فاولر من UBS حذروا من أن “الارتياح قصير الأمد سيتحول إلى قلق” حين تبدأ آثار الرسوم المرتفعة في الظهور على أرباح الشركات خلال الشهور المقبلة.

الرسوم مقابل الهدوء: الصفقات تخفف العاصفة لا تلغيها

في أبريل، اضطر ترامب إلى تعليق أكثر رسومه “المتبادلة” تشددًا بعد أن تسببت في تقلبات عنيفة في الأسواق، ودفع المستثمرين إلى بيع أصولهم الحكومية. لكن بدلًا من التراجع الكامل، عمد إلى تقديم “استثناءات مشروطة” شملت نحو 60% من السلع الخاضعة للرسوم، الأمر الذي خفف جزئيًا من وقع الصدمة الاقتصادية.

خسائر الدولار ومكاسب مؤقتة للأسهم

رغم الارتداد الطفيف في قيمته هذا الأسبوع، لا يزال الدولار متراجعًا بنحو 10% منذ إعلان ترامب المفاجئ عن رسوم “يوم التحرير” في أبريل. هذا التراجع يعكس فقدان الثقة النسبي في السياسة الاقتصادية الأمريكية الجديدة، رغم حالة التفاؤل الظاهري في بعض الأسواق.

الاتحاد الأوروبي: “اختراق في زمن الضباب”

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وصفت الاتفاق مع ترامب بأنه “اختراق يحقق اليقين في أوقات غامضة”، غير أن هذا “الاختراق” لا يخفي حقيقة أن كثيرًا من الصادرات الأوروبية ستواجه تعريفات أعلى بكثير مما كانت عليه قبل بداية ولاية ترامب الثانية، ما يضع الشركات الأوروبية أمام واقع أصعب.

تهديدات مستمرة: أغسطس على الأبواب

هدد ترامب بفرض كامل الرسوم المتبادلة بحلول الأول من أغسطس على كل من لم يبرم صفقة معه، ما ينذر بموجة جديدة من التوترات التجارية. وفي هذا السياق، حذر آلان وولف من معهد بيترسون للاقتصاديات الدولية من “تحولات في أنماط التجارة”، قد تدفع الشركات لنقل سلاسل التوريد بعيدًا عن السوق الأمريكية، التي لم تعد بالسهولة السابقة.

أقرا أيضا

أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025 في بداية التعاملات اليومية

نوران الرجال

نوران الرجال باحثة اقتصادية وكاتبة صحفية متخصصة في شؤون النقل البحري والاقتصاد البحري، وتشغل عضوية لجنة النقل البحري بالجمعية العمومية العلمية للنقل. كما تتولى منصب المدير العام لمركز العربي للأبحاث البحرية والاستراتيجية، حيث تسهم في صياغة الرؤى وتقديم الدراسات الداعمة لتطوير قطاع النقل البحري في المنطقة العربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى