فضيحة كبرى في اليونان: اعتقال 37 متهمًا باختلاس أموال الدعم الزراعي الأوروبي

أعلنت السلطات اليونانية تفكيك شبكة احتيال واسعة النطاق استولت على ملايين اليوروهات من أموال الدعم الزراعي الأوروبي، في واحدة من أكبر قضايا الفساد التي تهز البلاد منذ أعوام. وكشفت الشرطة أن المتهمين قدّموا وثائق مزيفة لادعاء ملكيتهم مزارع ومواشٍ غير حقيقية بهدف الحصول على إعانات مالية من الاتحاد الأوروبي، أنفقوها لاحقًا على رحلات وسلع فاخرة. وتشير التحقيقات إلى أن الاحتيال استمر لسنوات عبر استغلال ثغرات في نظام منح الإعانات الزراعية الذي تديره وكالة الدعم الرسمية OPEKEPE. القضية التي أطلقتها النيابة الأوروبية فجّرت عاصفة سياسية في أثينا، وأجبرت مسؤولين على الاستقالة، فيما تواجه الحكومة ضغوطًا متزايدة من بروكسل لإصلاح منظومة توزيع الأموال الأوروبية وضمان الشفافية في إدارتها.
شبكة احتيال استخدمت وثائق مزيفة لنهب الملايين
كشفت الشرطة اليونانية عن واحدة من أكبر قضايا الاحتيال المرتبطة بأموال الدعم الزراعي الأوروبي، بعد اعتقال 37 مشتبهًا بتهمة الاستيلاء على نحو 20 مليون يورو من أموال الاتحاد الأوروبي المخصصة للمزارعين. وأوضحت التحقيقات أن المتهمين، ومن بينهم دي جيهات ونُدُل وأشخاص لا علاقة لهم بالزراعة، قدّموا مستندات مزورة تفيد امتلاكهم أراضي ومواشي وهمية للحصول على إعانات زراعية، استُخدمت لاحقًا في شراء السلع الفاخرة وتمويل رحلات سياحية. وأكدت النيابة الأوروبية أن الشبكة استغلت ثغرات في نظام منح الدعم الذي تديره وكالة الإعانات الزراعية اليونانية “OPEKEPE” بين عامي 2018 و2022.
فواتير وهمية وتمويه مصرفي لإخفاء الأموال المسروقة
أشارت بيانات الشرطة إلى أن حجم الأموال المختلسة بلغ نحو 20 مليون يورو، فيما كشفت النيابة الأوروبية أن ما لا يقل عن 324 شخصًا حصلوا على إعانات زراعية غير مستحقة. وبيّنت التحقيقات أن المتورطين اعتمدوا على فواتير مزيفة لإقناع السلطات بملكيتهم لمزارع غير موجودة، ثم قاموا بتحويل الأموال بين حسابات مصرفية متعددة في محاولة لتمويه مصدرها الحقيقي. وأوضحت النيابة أن بعض المتهمين بالغوا في أعداد الماشية المسجلة لديهم بغرض تضخيم قيمة الدعم المالي، مؤكدة أن جزءًا كبيرًا من تلك الأموال صُرف على سيارات فاخرة وسفر وسلع عالية القيمة.
تحقيقات أوسع وغرامة أوروبية ضخمة على أثينا
تأتي هذه القضية ضمن إطار تحقيقات موسعة حول سوء إدارة أموال الزراعة الأوروبية في اليونان، وهو ما دفع المفوضية الأوروبية إلى فرض غرامة قياسية قدرها 400 مليون يورو على أثينا بعد اكتشاف “إخفاقات منهجية” في الرقابة على الدعم الزراعي خلال الفترة ما بين 2016 و2023. وشملت التحقيقات مداهمة مقر وكالة OPEKEPE مرتين هذا العام، وسط اتهامات بتورط مسؤولين في تسهيل حصول غير المستحقين على التمويلات. وردًا على ذلك، أعلنت الحكومة تجميد جميع المدفوعات عبر الوكالة وطرحت خطة لدمجها ضمن هيئة الضرائب الوطنية، في خطوة تهدف لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد المؤسسي.
عاصفة سياسية وإصلاحات تحت الضغط الأوروبي
الفضيحة المالية فجّرت أزمة سياسية كبيرة في أثينا، إذ وافق البرلمان على تشكيل لجنة تحقيق خاصة لبحث أوجه القصور في إدارة الأموال الأوروبية، فيما أُجبر وزير وأربعة نواب على تقديم استقالاتهم خلال الأشهر الماضية. ورغم إعلان الحكومة نيتها إصلاح نظام الدعم الزراعي وضمان الشفافية في منح التمويلات، اعتبرت المفوضية الأوروبية أن المقترحات المقدمة “غير مرضية بالكامل”، ومنحت أثينا مهلة حتى 4 نوفمبر لتقديم خطة جديدة أكثر فاعلية. ويرى مراقبون أن القضية كشفت هشاشة المنظومة الرقابية وضعف المؤسسات المسؤولة عن حماية المال العام، في بلد يعتمد على الإعانات الأوروبية كأحد ركائز اقتصاده الريفي.
الفضيحة تكشف عمق أزمة الثقة بين أثينا وبروكسل
تعد هذه الفضيحة اختبارًا جديدًا لعلاقة الثقة بين اليونان والاتحاد الأوروبي، إذ يرى مسؤولون أوروبيون أن ما جرى لا يمثل حادثة فردية بل يعكس أزمة بنيوية في آليات الرقابة على الدعم الزراعي داخل بعض دول الاتحاد. وبالنسبة لأثينا، تمثل القضية فرصة صعبة لإثبات قدرتها على فرض الشفافية واستعادة مصداقيتها في إدارة الأموال الأوروبية، خصوصًا بعد سنوات من التعافي الاقتصادي الهش. وبينما تتجه الحكومة نحو إصلاحات عاجلة، تبقى العيون الأوروبية تترقب نتائج التحقيقات المقبلة، التي قد تحدد مستقبل تمويلات الزراعة في البلاد ومكانة اليونان داخل منظومة الثقة الأوروبية.



