الوكالات

“جدار الطائرات المسيّرة”: هل تستطيع أوروبا التحصن ضد التهديد الروسي؟

تسعى عشر دول أوروبية، بينها أوكرانيا، إلى بلورة مشروع طموح أُطلق عليه اسم “جدار الطائرات المسيّرة“، يهدف إلى حماية الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي من التهديدات الروسية المتنامية. يأتي هذا المشروع بعد سلسلة حوادث متكررة شهدتها القارة، من بينها اختراقات في أجواء بولندا ورومانيا، وتحليق مقاتلات روسية في أجواء إستونيا، إضافة إلى إغلاق مطارات في الدنمارك والنرويج عقب ظهور مسيّرات مجهولة المصدر. الفكرة، التي تحظى بدعم مباشر من المفوضية الأوروبية، ما زالت غامضة من حيث آليات التنفيذ، لكنها تعكس شعوراً متزايداً بأن أمن أوروبا الجوي أصبح مهدداً بشكل غير مسبوق.

 

بين الطموح والواقعية

 

رغم إعلان بروكسل رغبتها في بناء الجدار خلال 12 شهراً فقط، يرى الخبراء أن هذا الهدف شديد الطموح وربما غير واقعي. فالمشروع، وفق المتخصصين، أقرب إلى رسالة سياسية للضغط من أجل التحرك السريع، أكثر من كونه خطة دفاعية واضحة المعالم. فالأوروبيون يدركون أن جداراً منيعا يحول دون كل اختراق غير ممكن عملياً، خاصة مع التطور السريع لتكنولوجيا الطائرات المسيّرة. لكن مجرد إطلاق المشروع يمثل محاولة لتوحيد الجهود الدفاعية وتعزيز صورة الاتحاد الأوروبي كقوة قادرة على حماية فضائه الجوي.

 

خط الدفاع الأول: الكشف عن المسيّرات

 

يرى مسؤولو الدفاع الأوروبيون أن المرحلة الأكثر إلحاحاً تكمن في تحسين قدرات الكشف عن المسيّرات. فقد أثبتت الاختراقات الأخيرة أن أنظمة الرصد التقليدية غير كافية. لذلك، يُطرح إنشاء شبكة متعددة الطبقات من أجهزة استشعار متطورة، تشمل رادارات عالية الحساسية، وأجهزة تلتقط الإشارات الصوتية والترددات اللاسلكية، لرصد أنماط حركة الطائرات المسيّرة. هذه الأنظمة قد تتيح للدول الأوروبية اكتشاف المسيّرات قبل اختراقها المجال الجوي، مما يمنحها وقتاً كافياً لاتخاذ إجراءات مضادة.

 

أساليب المواجهة المتاحة

 

بعد مرحلة الكشف، يأتي التحدي الأصعب: تحييد التهديد. الخيارات متعددة، تبدأ بالتشويش على أنظمة التحكم الخاصة بالطائرات المسيّرة عبر بث موجات راديوية قوية، وصولاً إلى “اختراقها” إلكترونياً والسيطرة عليها عن بُعد. وهناك أيضاً وسائل تقليدية مثل استخدام صواريخ قصيرة المدى أو طائرات مسيّرة اعتراضية لتدمير الأهداف المعادية. لكن هذه الحلول تبقى مكلفة وتتطلب تحديثاً دائماً، خاصة مع تسارع وتيرة تطوير تكنولوجيا المسيّرات وقدرتها على العمل في أسراب مدعومة بالذكاء الاصطناعي، ما يجعل اعتراضها أكثر تعقيداً.

 

عقبات جغرافية وتقنية

 

يُفترض أن يغطي “جدار المسيّرات” الحدود الشرقية للدول العشر المشاركة، من فنلندا شمالاً إلى بلغاريا جنوباً. غير أن الخبراء يحذرون من أن الخطر لا يأتي فقط من الخارج، إذ يمكن تشغيل مسيّرات من داخل القارة نفسها عبر شبكات تجسس أو عناصر مرتبطة بروسيا. كما أن تصغير حجم الطائرات وزيادة سرعتها يجعل رصدها مهمة أصعب بكثير. هذا فضلاً عن التحديات المرتبطة بالإنتاج الكافي للمعدات والتدريب السريع للعناصر القادرة على تشغيل أنظمة الدفاع الجديدة.

 

سباق مع الزمن والتكلفة

 

حتى في حال نجاح الأوروبيين في تجاوز هذه العقبات، فإن سرعة تطور المسيّرات تفرض تحديثاً دائماً للأنظمة الدفاعية. خبراء الأمن يؤكدون أن دورة حياة أي تكنولوجيا مضادة للمسيّرات لا تتجاوز ستة أسابيع، قبل أن تصبح أقل فعالية أمام نماذج جديدة. وهو ما يحتم استثمارات مستمرة لضمان بقاء النظام فعالاً. ومع إعلان المفوضية الأوروبية تخصيص 150 مليار يورو لدعم الدفاع المشترك، يتوقع مراقبون بروز خلافات بين الدول حول توزيع التمويل، خاصة مع دول مثل هنغاريا وسلوفاكيا القريبتين سياسياً من موسكو.

 

أوروبا أمام اختبار استراتيجي

 

يبدو أن مشروع “جدار الطائرات المسيّرة” يعكس قناعة أوروبية بأن التهديد الجوي الروسي لن يختفي قريباً. وبين الطموح السياسي والعقبات التقنية والمالية، يبقى واضحاً أن القارة مطالبة بالتحرك العاجل لتقليل هشاشتها أمام هذا الخطر المتصاعد. ورغم صعوبة بناء جدار محكم ضد السماء، فإن الخطوة الأولى تكمن في وضع الأساس لمنظومة دفاعية قادرة على مواكبة سرعة الابتكار التكنولوجي. فالمسيّرات أصبحت جزءاً من مشهد الحروب الحديثة، وستظل تهديداً قائماً حتى بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا.

اقرأ أيضاً

هل مهدت النخبة السياسية الطريق لترامب وفاراج؟

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى