الوكالات

الجالية اليهودية في واشنطن تواجه صدمة “الكابوس الذي كنا نخافه” بعد مقتل شابين

نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا مفصلًا عن الحادثة  التي هزت العاصمة الأميركية، حيث أقدم رجل معروف بنشاطاته المؤيدة للفلسطينيين على إطلاق النار وقتل موظفين اثنين في السفارة الإسرائيلية، وهما شابان على مشارف الارتباط الرسمي.

وقع الهجوم قرب متحف يهودي في واشنطن، حيث تجمع أفراد من الجالية لإحياء ذكرى الضحايا الذين كانوا قد حضروا حفل استقبال للدبلوماسيين الشباب. وأكد المسؤولون أن الحادث كان عملاً عنيفًا معاديًا للسامية ومقصودًا، ما أثار صدمة عميقة في أكبر تجمع يهودي في المنطقة.

ووصف قادة المجتمع اليهودي الواقعة بأنها “اغتيال سياسي” و”الكابوس الذي كنا نخافه جميعًا”، مؤكدين أن المنطقة لم تشهد مثل هذه الاعتداءات منذ عقود. ورغم تشديد الإجراءات الأمنية في المؤسسات اليهودية، طالب القادة بزيادة الدعم الحكومي لمواجهة تصاعد الكراهية والاعتداءات المتزايدة.

يشير التقرير إلى أن الجالية ما زالت تحاول التعافي من الصدمة، فيما تستعد لعقد فعاليات تأبين رسمية، وسط تزايد المخاوف من استمرار موجة معاداة السامية في الولايات المتحدة.

الضحيتان، يارون ليشينسكي (30 عامًا) وسارة ميلغريم (26 عامًا)، لم يكونا مجرد موظفين دبلوماسيين، بل كانا عاشقين يستعدان لخطبة مرتقبة في القدس. قبل لحظات من مقتلهما، كانا يغادران فعالية دبلوماسية نظمها المتحف بالشراكة مع اللجنة اليهودية الأميركية، بحضور عشرات الدبلوماسيين الشباب والنشطاء.

وفي صباح اليوم التالي، بدا المشهد أمام المتحف مختلفًا تمامًا، حيث رفرفت الأعلام الإسرائيلية إلى جانب أكاليل الزهور، وامتزجت الدموع بالغضب في وجوه الحاضرين. تجمع مجموعة أطلقت على نفسها اسم “مسيحيون ويهود ضد الكراهية” أمام المكان، في مشهد يعكس قلق مجتمع بأكمله. وعبّرت الكلمات المكتوبة على أوراق صغيرة عما عجزت عنه الكلمات الرسمية: “هذا الألم ألمنا جميعًا”.

يارون ليشينسكي وسارة ميلغريم

قلق متجذر في الذاكرة الجماعية

واشنطن الكبرى تُعد موطنًا لواحدة من أكبر الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة، ومع ذلك لطالما اعتُبرت هذه المدينة “آمنة نسبيًا” مقارنة بمناطق أخرى شهدت هجمات ذات طابع ديني أو عرقي. هذا الشعور بالأمان تحطم، كما يقول رون هالبير، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات اليهودية في واشنطن الكبرى: “طوال 50 أو 60 عامًا لم نشهد حادثًا بهذا الحجم. الآن لم يعد بوسعنا قول ذلك”.

السلطات الفيدرالية وصفت الجريمة بأنها “عمل إرهابي ذي دوافع معادية للسامية”. الرجل المتهم بإطلاق النار، والذي أُلقي القبض عليه لاحقًا، وُصف بأنه “ناشط سابق مؤيد للقضية الفلسطينية”، ما فتح الباب مجددًا لنقاش معقد حول حدود التعبير السياسي وخطورة التحريض العنيف، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط.

“هذا كان يمكن أن يكون أيًا منّا”

مشاعر الحزن امتزجت بالصدمة الشخصية في أوساط قادة الجالية اليهودية. جيل بروس، المدير التنفيذي لاتحاد الجاليات اليهودية في واشنطن، عبّر عن حالة الذهول التي يعيشها المجتمع بقوله: “هذا ليس حادثًا بعيدًا. بعض زملائنا كانوا هناك. أحدهم غادر المكان بعد دقائق فقط من إطلاق النار”.

ومن موقعه كرجل دين، قال الحاخام شيرا ستتمان، الذي حضر إلى الموقع للصلاة مع زملائه، إن ما جرى “لم يكن هجومًا على شخصين فقط، بل على فكرة الأمان التي عاشها يهود العاصمة لعقود”.

أمن الجاليات بين مسؤولية الدولة وخيار المقاومة

رغم أن المتحف خضع سابقًا لإجراءات أمنية مشددة، إلا أن حادث الأربعاء أعاد طرح السؤال حول مدى كفاية هذه التدابير. هل يكفي أن تؤمَّن المؤسسات من الداخل فقط؟ أم أن الخطر بات يتطلب توسيع نطاق الحماية إلى الشوارع المحيطة؟ بالنسبة لهالبير، الجواب واضح: “لا يمكننا فعل كل شيء بأنفسنا. الدولة يجب أن تتدخل وتوفر تمويلاً حقيقيًا لتأمين الجاليات”.

في هذا السياق، يبرز دور مبادرات مثل برنامج “J-Shield”، الذي يوفر خبراء أمنيين للجاليات لتقييم المخاطر وتدريب الأعضاء على التعامل مع الطوارئ. لكن حتى أفضل الاستعدادات لا يمكنها، كما يبدو، أن تمنع كل مأساة.

وقفة بالشموع في وجه الظلام

ليلة الخميس، وعلى مقربة من البيت الأبيض، أُقيمت وقفة تأبين شارك فيها نحو 200 شخص، أغلبهم من الجالية اليهودية ودبلوماسيين سابقين. ارتفعت صور الضحيتين، وإلى جوارهما شموع مضاءة على هيئة نجمة داوود. في النهاية، ردد الحضور النشيد الأميركي بعد أن غنوا بالعبرية: “يارون وسارة… لتكن ذكراهما مباركة”.

إنه مشهد يلخص حجم الحزن، لكنه يلمح في الوقت ذاته إلى تصميم مجتمع بأكمله على الصمود، مهما بلغت درجة الخطر.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. عمل في مؤسسات إعلامية محلية ودولية، وتولى إدارة محتوى في مواقع إخبارية مثل "أخباري24" والموقع الألماني "News Online"، وغيرهم, حيث قاد فرق التحرير وواكب التغيرات المتسارعة في المشهد الإعلامي العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى