طموحات الصين المناخية بين الحذر الرسمي وثورة الطاقة النظيفة

مع اقتراب رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ من إعلان التزامات مناخية جديدة خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، يعود ملف الصين المناخي إلى الواجهة مجددًا. فالصين، التي تُعد أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، تقف اليوم على مفترق طرق حساس بين ضغوط دولية متزايدة لتحقيق خفض كبير في الانبعاثات، وبين أولويات داخلية تتعلق بأمن الطاقة والحفاظ على وتيرة النمو الاقتصادي. ورغم أن التوقعات بشأن الأهداف الجديدة تبدو متواضعة، فإن الواقع على الأرض يكشف عن قصة مختلفة تمامًا: نهضة صناعية في مجالات الطاقة النظيفة قد تتجاوز بكثير الالتزامات الرسمية.
أرقام قياسية في الانبعاثات ودور محوري عالمي
تستهلك الصين كميات هائلة من الفحم والوقود الأحفوري لتشغيل مصانعها ومحطات الكهرباء، ما جعلها مسؤولة عن أكثر من 12.6 مليار طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في عام واحد فقط، أي ما يعادل نحو ثلث الإجمالي العالمي، وثلاثة أضعاف حجم الانبعاثات الأمريكية. هذه الحقيقة تجعل أي تعهد صيني جديد في إطار “المساهمات المحددة وطنيًا” ضمن اتفاق باريس، ذا وزن يتجاوز أي دولة أخرى تقريبًا.
سجل مختلط بين التقدم والتعثر
في عام 2020، أعلنت بكين أهدافًا من بينها بلوغ ذروة الانبعاثات بحلول 2030، وتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري، وخفض كثافة الكربون بالنسبة للناتج المحلي. ورغم أن البيانات الأخيرة تشير إلى تراجع الانبعاثات بنسبة 1% في النصف الأول من 2025، فإن تحقيق أهداف خفض “كثافة الكربون” لا يزال بعيدًا. المفارقة أن الصين ربما تكون قد تجاوزت موعد ذروة الانبعاثات بالفعل، وهو ما يفتح المجال لرفع سقف طموحاتها.
أهداف جديدة أكثر شمولًا
تشير التسريبات إلى أن التعهدات المقبلة ستتضمن للمرة الأولى التزامات تتعلق بالانبعاثات غير المرتبطة بثاني أكسيد الكربون مثل الميثان، المنبعث من مناجم الفحم وحقول الأرز. كما ستتطرق إلى قطاعات صناعية ثقيلة مثل الصلب والإسمنت، وهي بين الأكثر تلويثًا. لكن يبقى السؤال: هل ستكتفي بكين بصياغة أهداف مبهمة مثل “السعي لتقليل الانبعاثات” أم ستلتزم بتخفيضات كمية واضحة؟
الهوة بين التوقعات الدولية والواقع الصيني
يقدّر محللون أن الصين تحتاج لخفض انبعاثاتها بنسبة 20% على الأقل بحلول 2035 للإبقاء على الاحترار أقل من درجتين مئويتين، وبنسبة 30% لتحقيق هدف 1.5 درجة، الذي يعتبر بالفعل بعيد المنال. لكن التوقعات الواقعية تشير إلى أن بكين قد تلتزم بخفض يتراوح بين 10% و15% فقط خلال العقد المقبل، ما يخلق فجوة واسعة بين ما يطلبه العالم وما هي مستعدة لتقديمه.
الحسابات السياسية وأمن الطاقة
تعتمد الصين على الفحم لتوليد نحو 60% من كهربائها، ما يجعلها مترددة في الالتزام بتسريع الخفض خشية تهديد استقرار الشبكة الكهربائية أو إبطاء عجلة النمو الصناعي. أحداث السنوات الماضية، من موجات الحر إلى الجفاف الذي ضرب محطات الطاقة الكهرومائية، عززت هذه المخاوف. لهذا تواصل بكين بناء قدرات جديدة لتوليد الكهرباء من الفحم، بما يقارب 100 جيجاوات في عام واحد فقط، ما يعادل إجمالي قدرة بريطانيا.
الغرب في موقع المتفرج
في الوقت الذي تطالب فيه الصين بأن تتحمل الدول الغربية مسؤولية تاريخية أكبر عن الأزمة المناخية، تراجع الزخم في أوروبا، فيما انسحبت الولايات المتحدة من اتفاق باريس مطلع العام. هذا الوضع يوفر لبكين غطاءً إضافيًا لتبني أهداف أقل طموحًا، خصوصًا وأنها لا تزال تصف نفسها بأنها “دولة نامية”.
الثورة الحقيقية: شركات الطاقة النظيفة
بعيدًا عن الخطاب الرسمي، يشهد قطاع الطاقة المتجددة في الصين طفرة غير مسبوقة. فقد حققت بكين هدفها بتركيب 1200 جيجاوات من طاقة الرياح والشمس بحلول 2030 قبل ست سنوات كاملة من الموعد. في النصف الأول من 2025 وحده، أضافت الصين 256 جيجاوات من الطاقة الشمسية، أي أكثر من ضعف ما ركبه بقية العالم مجتمِعًا.
الاقتصاد الجديد قائم على الطاقة الخضراء
تشكل قطاعات الطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية والبطاريات اليوم نحو 10% من الناتج المحلي الصيني، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم بحلول 2035. هذه الصناعات لا تساهم فقط في النمو الاقتصادي، بل تقلل أيضًا من اعتماد الصين على واردات النفط من مناطق مضطربة مثل الشرق الأوسط، وتُرسخ هيمنتها على سلاسل التوريد العالمية حيث تنتج 80% من الخلايا الشمسية عالميًا.
ما وراء الالتزامات الرسمية
رغم أن خطاب الحكومة قد يبدو متحفظًا، إلا أن ديناميكية القطاع الخاص والطموحات الصناعية تضع الصين في موقع الريادة. فشركات مثل “تونغوي” في مدينة تشنغدو، التي تتصدر إنتاج الخلايا الشمسية والمواد الخام، تركّز على المنافسة والابتكار أكثر من النقاش البيئي. هذه الروح التصنيعية تعني أن بكين قد تحقق نتائج تتجاوز بكثير أي أهداف تعلنها على الورق.