عربي وعالمي

هكذا يمكن لأمريكا اللاتينية أن تُسقط إمبراطوريات الجريمة

تقرير تحليلي حول الاستراتيجيات المطلوبة لاستعادة السيطرة من قبضة المنظمات الإجرامية العابرة للحدود

من الإكوادور إلى فنزويلا، ومن بيرو إلى الكاريبي، تعيش أمريكا اللاتينية على وقع اجتياح غير مسبوق لـ”إمبراطوريات الجريمة” الجديدة. هذه لم تعد عصابات تقليدية، بل أصبحت كيانات اقتصادية عابرة للحدود، تُدار مثل الشركات المتعددة الجنسيات، وتُعيد تشكيل الدول من الداخل، وتُهدد استقرار المنطقة بأسرها.

مع اعتقال زعيم “لوس تشونيروس” الشهير “فيتو” في الإكوادور، وإحالته إلى الولايات المتحدة بتهم تتعلق بالمخدرات والأسلحة، تبرز لحظة فارقة: المنطقة بحاجة إلى رد استراتيجي، شامل، يتجاوز الحلول الأمنية التقليدية.

المافيا الجديدة: إمبراطوريات مالية لا تعرف الحدود

تُقدّر قيمة الاقتصاد الإجرامي في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي بحوالي 358 مليار دولار سنويًا، أي ما يعادل 5% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، وهو رقم يفوق بنحو ستة أضعاف ميزانيات الدفاع مجتمعة.

لم تعد هذه العصابات تدور في فلك تجارة المخدرات فحسب، بل أصبحت تتحكم في سلاسل الإمداد، وتغسل الأموال عبر العملات المشفرة والشركات الوهمية، وتفرض “ضرائب حماية” على المجتمعات المحلية، بل وتقدم “خدمات عامة” في غياب الدولة.

من فيتو إلى “ترين دي أراغوا”: خارطة إجرامية عابرة للدول
في الإكوادور، سقطت إحدى أخطر الشبكات المرتبطة بكارتلات المخدرات المكسيكية، لكن البلاد لا تزال غارقة في العنف.

في فنزويلا، تسيطر عصابة “ترين دي أراغوا” على عمليات اتجار وابتزاز تمتد إلى نصف قارة.

وفي مدلين الكولومبية، تدير أكثر من 400 عصابة محلية (“كومبوس”) تجارة الإسكان والتجارة غير الرسمية.

هذه الشبكات تعمل بشكل لامركزي، ما يجعل تفكيكها أكثر صعوبة من خصوم الماضي مثل بابلو إسكوبار، الذي كان استثناءً في زمنه، أما اليوم فقد بات النموذج العام هو التفتت والانتشار الشبكي.

لماذا فشلت الحكومات؟

التركيز التقليدي على الأمن: مزيد من الشرطة، مزيد من السجون، ومبادرات تعاون دولي محدودة.
لكن هذا النهج عاجز أمام “الشركات الإجرامية” التي تعيد استثمار أرباحها وتؤسس نماذج اقتصادية محلية بديلة عن الدولة.

الدول تخسر المعركة، ليس فقط بسبب عنف هذه الجماعات، بل لأن الأخيرة أذكى، أسرع تكيفًا، وأكثر تجذرًا في الاقتصاد المحلي.

واشنطن تستفيق.. ولكن متأخرة

زيارة وزيرة الأمن القومي الأمريكية “كريستي نوم” إلى كوستاريكا.

جولة وزير الخارجية “ماركو روبيو” في أمريكا الوسطى والكاريبي.

جهود لمحاصرة أسباب الهجرة وفوضى المخدرات التي تنعكس على الداخل الأمريكي.

لكن هذه التحركات تحتاج إلى خطة أكثر جرأة، لا تكتفي بإرسال الدعم العسكري، بل تعالج الجذور الاقتصادية للنفوذ الإجرامي.

عناصر الخطة المطلوبة:

1. تحالفات أمنية واقتصادية عابرة للحدود
القضاء على شبكات الجريمة لا يمكن أن يكون وطنيًا فقط. المطلوب تنسيق دولي لاستهداف سلاسل التوريد، وشبكات التمويل، والبنية التكنولوجية للجريمة.

2. ضرب شرايين التمويل: غسيل الأموال
تُغسل بين 800 مليار إلى تريليوني دولار عالميًا سنويًا.

في المكسيك وحدها: حوالي 50 مليار دولار تُغسل عبر شركات وهمية وعملات مشفرة.

الولايات المتحدة قادرة على استخدام أدواتها الاستخباراتية المالية لتعقب هذه الأموال وتجفيف منابعها.

3. تحديث البنية القضائية والأمنية
اعتماد أنظمة عدالة متنقلة.

استخدام الذكاء الاصطناعي لتسريع إدارة القضايا وتخفيف التكدس.

تطوير آليات المراقبة الإلكترونية داخل السجون.

دعم الشرطة المحلية بالتدريب والموارد والحوافز لدمجها مجددًا بالمجتمعات.

4. تحويل الاستثمارات إلى أدوات أمن قومي
خلق فرص عمل شرعية في المناطق الريفية التي تسيطر عليها الجريمة.

استثمار الثروات الطبيعية: أمريكا اللاتينية تضم أكثر من 60% من احتياطات الليثيوم العالمية، وتملك إمكانات هائلة في الطاقة الشمسية والرياح.

المطلوب إزالة مخاطر الاستثمار عبر ضمانات حكومية وشراكات دولية، لخلق بنية تحتية تقوض اقتصادات الجريمة.

الحسم الآن.. أو لا يكون

المنطقة أمام نافذة فرص ضيقة لاستعادة السيطرة. المطلوب ليس فقط تفكيك العصابات، بل هدم نموذجها الاقتصادي واستبداله بنموذج تنموي قادر على فرض سلطة الدولة واستعادة ثقة المواطن.

يجب ألا يُنظر إلى هذه الجماعات كـ”مجرمين فقط”، بل كـ”خصوم سياسيين واقتصاديين” يتنافسون على النفوذ والشرعية.

واستعادة السيطرة تبدأ بخطة شاملة إقليمية، لا تعتمد فقط على السلاح، بل على التغيير البنيوي في المؤسسات والاقتصاد.

اقرأ أيضًا:

جريمة مقنّعة بزي الشرطة: اعتداء عنيف على امرأة عارية تعاني من أزمة نفسية يهز أستراليا

رحمة عماد

صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى