تقارير التسلح

الهند وباكستان: صراع السماء بين التفوق العددي والتكتيك السريع

صراع الجو بين الهند وباكستان: توازن القوى والتحديات المستقبلية

في الوقت الذي تُصنّف فيه الهند ضمن القوى الجوية الكبرى عالميًا، تواصل باكستان مفاجأة المتابعين بقدرتها على التفوق في مجال اقتناء المقاتلات، رغم ضعف اقتصادها واضطراب وضعها السياسي. ورغم أن الهند تحتل المرتبة الرابعة عالميًا من حيث قوة سلاح الجو وفق مؤشر “Global Firepower 2025″، بعد الولايات المتحدة وروسيا والصين، إلا أن سجلها الحافل بالحوادث الجوية في زمن السلم، وتأخّرها في إبرام صفقات التسلّح، يطرح علامات استفهام حول فعاليتها التشغيلية والاستراتيجية.

خسائر زمن السلم: أزمة لا تقل خطورة عن الحروب

تكشف الإحصاءات الرسمية أن القوات الجوية الهندية فقدت 42 طائرة بين عامي 2020 و2025 خلال مهمات غير قتالية، وهي نسبة مثيرة للقلق في منطقة متوترة مثل جنوب آسيا. فقد أسقطت الهند، منذ عام 1952، ما يقارب 1,804 طائرة — 92% منها خلال وقت السلم، بحسب موقع “Bharat Rakshak”، ما يدل على وجود خلل داخلي بنيوي في منظومة التدريب والصيانة، وربما في جودة الطائرات نفسها.

صفقات التسليح المعلقة: عقدان من التردد الهندي

أحد أبرز وجوه التأخر الهندي في التحديث العسكري هو فشل صفقة مقاتلات MRFA، التي بدأت كخطة في عام 2001 لتحديث أسطول المقاتلات المتقادم. ورغم عقد كامل من المفاوضات، توقفت الصفقة الأصلية للحصول على 126 طائرة في 2015، واستبدلت بصفقة مباشرة لشراء 36 مقاتلة “رافال”. واليوم، بعد 24 عامًا من الانطلاق النظري للمشروع، لم يُبرم عقد نهائي لشراء 114 مقاتلة جديدة، مما يُبقي القوة الجوية الهندية في موقع هش أمام تطورات الخصم.

برنامج “تيجاس”: الحلم الوطني المتعثر

 

لم تكن العثرات محصورة بالصفقات الأجنبية فقط، بل طالت أيضًا البرنامج الوطني لإنتاج طائرة “تيجاس”. ورغم مرور أكثر من أربعة عقود على بدايته، لم تدخل الخدمة سوى 38 طائرة من الجيل الأول، فيما تأخر تسليم النسخة المطوّرة “تيجاس MK-1A”. وقد أدى ذلك إلى تراجع عدد الأسراب المقاتلة الهندية إلى 29، بدلًا من 42، في الوقت الذي تُظهر فيه باكستان سرعة مدهشة في التحديث.

 

باكستان: تفوّق تكتيكي على حساب الديمقراطية؟

 

على الرغم من الأزمات السياسية والمالية الخانقة، تحافظ باكستان على تفوق ملحوظ في سرعة التعاقد وتنفيذ صفقات التسليح. فمنذ خمسينيات القرن الماضي، حظيت إسلام آباد بدعم غربي متكرر، بدءًا من مقاتلات F-86، مرورًا بـ F-16، وصولًا إلى شراكتها الاستراتيجية مع الصين التي أثمرت عن تطوير مقاتلة JF-17، والتي تجاوز إنتاجها 150 طائرة حتى الآن.

 

وتواصل باكستان تطوير أسطولها الجوي مع حصولها على طائرات JF-17 Block 3، بالإضافة إلى توقيعها صفقة لاقتناء 40 طائرة شبحية من طراز J-35A الصينية، يُتوقّع تسلّمها في 2026، بينما لا تزال الهند تنتظر إقلاع أول نموذج لمشروعها الوطني “AMCA” الذي لن يرى النور قبل عقد من الزمن.

 

المواجهات الجوية: من كارجيل إلى عملية سندور

 

رغم تكرار الخسائر الجوية الهندية خلال المواجهات العسكرية مع باكستان، تبقى نتائج الحرب محسومة لصالح الهند في أغلب الحالات. ففي كارجيل عام 1999، لعب الطيران الهندي دورًا حاسمًا في دحر المتسللين. وفي 2019، ورغم إسقاط المقاتلة “ميغ-21” وأسر الطيار أبهيناندان، نجحت الهند في تنفيذ غارات جويّة على عمق باكستاني. أما في عملية “سندور” عام 2025، فقد نفذت الهند هجمات دقيقة على 11 قاعدة جوية، وسط إنكار باكستان لقدرات الردع.

 

الخسائر لا تعني الهزيمة: عبرة من التاريخ العسكري

 

يؤكد كثير من المحللين أن عدد الطائرات التي تسقط لا يُعد مقياسًا للفشل أو النجاح الاستراتيجي. فالولايات المتحدة خسرت أكثر من 100 ألف طائرة في الحرب العالمية الثانية، لكنها خرجت منتصرة. وخلال حروب الخليج والبلقان، تكبدت خسائر جوية معتبرة دون أن يؤثر ذلك على نتائج المعارك.

 

وبناء على هذا المنطق، يمكن القول إن سلاح الجو الهندي، رغم خسائره، نجح في تحقيق أهدافه العملياتية في كل مواجهة كبرى خاضها مؤخرًا، مستهدفًا بنجاح مواقع عسكرية وبنى تحتية باكستانية مهمة، دون أن يمنعه ذلك من المضي في استراتيجيات الردع.

 

الاستقلال الدفاعي الهندي: بطء تقدّم لا يعني التراجع

 

قد تبدو باكستان أكثر سرعة في اتخاذ قرارات عسكرية، بفعل هيمنة الجيش على السياسة. لكن هذا النموذج أفضى إلى عدم استقرار سياسي متكرر. في المقابل، تنتهج الهند مسارًا ديمقراطيًا معقدًا، يمر عبر مؤسسات تشريعية ومحاسبية متعددة، ما يبطئ الإجراءات لكنه يعكس نظامًا مؤسسيًا أكثر استدامة.

 

ورغم البطء، تُحقق الهند تقدّمًا مهمًا على صعيد الصناعات الدفاعية المحلية، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، الرادارات، وأنظمة التوجيه، إلى جانب مشاريع كبرى مثل الصاروخ “براهموس” و”أسترا”، ما يضعها على طريق الاستقلال التكنولوجي التدريجي.

 

الخلاصة: توازن هش تحت مجهر المستقبل

 

الصراع الجوي بين الهند وباكستان لا يمكن تقييمه بمجرد الأرقام، بل ينبغي النظر إليه ضمن الإطار الأوسع من الاستقرار السياسي، الطموحات الاستراتيجية، والتحالفات الدولية. وفي هذا السياق، يبدو أن إسلام آباد تسير بخطى أسرع، لكن نيودلهي تتحرك بثبات نحو بناء منظومة دفاعية مستقلة ومتطورة، قد لا تؤتي ثمارها الآن، لكنها بالتأكيد ستُغيّر قواعد اللعبة في المستقبل القريب.

اقرا ايضا

الشرطة البريطانية تطلق نداء عاماً للتعرف على 40 شخطا من مثيري الشغب في أحداث صيف 2024

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى