فرنسا على حافة الهاوية السياسية: حكومة بايرو تواجه السقوط في تصويت حاسم

تعيش فرنسا واحدة من أسوأ أزماتها السياسية في السنوات الأخيرة، حيث يواجه فرانسوا بايرو، الذي عُيِّن رابع رئيس وزراء خلال ثلاث سنوات فقط، هزيمة شبه مؤكدة في تصويت بالثقة من المتوقع أن يُجرى اليوم الاثنين. وتُعَدّ هذه الخطوة مؤشرًا جديدًا على حالة الشلل السياسي المتفاقم في ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.
اللافت أن سرعة تعاقب رؤساء الوزراء تعكس حالة عدم الاستقرار التي تعيشها النخبة السياسية الفرنسية، وتزيد من تعقيد المشهد الداخلي، خاصة مع فقدان الحكومة لأي قدرة على تمرير تشريعات رئيسية دون الدخول في تحالفات هشة أو مساومات مستمرة داخل البرلمان.
تداعيات داخلية وأوروبية
انهيار الحكومة الفرنسية في هذا التوقيت له تداعيات أوسع تتجاوز الحدود الوطنية، إذ تأتي الأزمة في لحظة حرجة تمر بها أوروبا، التي تواجه تحديات استراتيجية كبرى، من أبرزها استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وتصاعد النفوذ الصيني في العالم، والاحتكاكات التجارية المتزايدة مع الولايات المتحدة.
في هذا السياق، تبرز فرنسا كفاعل رئيسي يُفترض أن يساهم في قيادة أوروبا نحو قدر أكبر من الوحدة والموقف الموحد، لكن الضعف السياسي في الداخل الفرنسي يُضعف موقعها التفاوضي والدبلوماسي على المستوى القاري والعالمي، ما يثير قلق الحلفاء الأوروبيين ويعطي خصوم الغرب فرصة لمزيد من التمدد.
الانتخابات المبكرة ونتائجها الكارثية
تعود جذور الأزمة الحالية إلى الانتخابات التشريعية المبكرة التي دعا إليها الرئيس إيمانويل ماكرون في عام 2024، في محاولة لإعادة فرض هيبة مشروعه السياسي وإعادة ضبط الخريطة البرلمانية. لكن النتائج جاءت بعكس التوقعات تمامًا، وأسفرت عن برلمان بلا أغلبية واضحة لأي من المعسكرات السياسية الكبرى.
هذا البرلمان “المعلّق” جعل من مهمة تشكيل حكومة مستقرة أو تمرير القوانين شبه مستحيلة، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى إصلاحات اقتصادية، وموقف موحد بشأن قضايا كبرى مثل الهجرة، والطاقة، والدفاع
ضعف التحالف الرئاسي وصعود اليمين
من أبرز تداعيات فقدان الأغلبية البرلمانية هو التراجع المستمر لتحالف ماكرون الوسطي، والذي بدأ في التآكل منذ عام 2022، وسط تزايد السخط الشعبي حيال السياسات الاقتصادية والاجتماعية. في المقابل، شهد حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، بزعامة مارين لوبان، صعودًا ملحوظًا، مستغلًا قضايا الهجرة وانعدام الأمن الاجتماعي.
وبينما يتصدر اليمين المتشدد المشهد من جهة، يحل ائتلاف يساري واسع كأكبر كتلة في البرلمان من جهة أخرى، لكنه منقسم داخليًا بشدة، ما يعوقه عن استغلال أغلبيته العددية في فرض أجندة سياسية بديلة أو تشكيل حكومة يسارية موحدة.
ضبابية المستقبل السياسي
المحصلة أن فرنسا تعيش اليوم في حالة من الغموض السياسي العميق، مع انعدام فرص تشكيل حكومة مستقرة أو إجراء تحالفات واسعة دون تقديم تنازلات سياسية كبرى من جميع الأطراف. ويضع هذا الواقع الرئيس ماكرون ، حيث تتضاءل خياراته، وتُطرح تساؤلات جدية عن مستقبل قيادته للبلاد في ما تبقى من ولايته.
وفي ظل هذا الانقسام، تبقى خيارات مثل حكومة تكنوقراط، أو دعوة جديدة لانتخابات، أو حتى استفتاء دستوري مطروحة، لكن لا شيء يضمن أن أيًا منها سيحل المعضلة الجوهرية: انعدام التوافق السياسي في مجتمع يشهد تحولًا فكريًا وسياسيًا عميقًا.