عرب وعالم

“إسرائيل في فقاعة الحرب الدائمة: كيف غابت مأساة الفلسطينيين عن الوعي الإسرائيلي”

 

بعد مرور عامين على حرب غزة، تبدو إسرائيل وكأنها عالقة في “زمن حاضر دائم” تتعايش فيه مع الحرب بوصفها الوضع الطبيعي الجديد. بينما تتواصل الغارات والدمار، يظل معاناة الفلسطينيين شبه غائبة عن الوعي العام الإسرائيلي، إذ تحوّل الخطاب الداخلي إلى خليط من الإنكار والأساطير التاريخية. مقال الصحفي الإسرائيلي نوام شيزاف يرسم صورة عميقة لهذا “الفقاعة الإسرائيلية” التي تعزل المجتمع عن الواقع، ويطرح أن الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، رغم محدوديته، قد يكون خطوة رمزية لكسر هذه الفقاعة. المقال يستند إلى ملاحظات ميدانية، تحولات ثقافية، واستدعاءات تاريخية، كما يدمج قراءة لكتاب Tomorrow Is Yesterday لماللي وأغا، اللذين اعتبرا أن عملية السلام كانت محكومة بالفشل منذ البداية لأنها تجاهلت جوهر الصراع: الحقوق والهوية.

الحرب كـ”الوضع الطبيعي الجديد”

الحياة في إسرائيل تسير بشكل شبه طبيعي رغم الحرب، حيث يواصل الناس أنشطتهم اليومية فيما يُعاد تشكيل الجيش ليتكيف مع عمليات دائمة في غزة والضفة والحدود الشمالية. تم إدخال ترتيبات خاصة للجنود الاحتياط، حتى تحولت الحرب إلى نظام مستدام أكثر من كونها أزمة مؤقتة. أما بالنسبة للرأي العام، فالحرب حاضرة فقط عبر صور الجنود القتلى وقضية الأسرى، بينما مأساة الفلسطينيين تبقى مجرد خلفية باهتة.

غزة: من “احتلال” مؤقت إلى مشروع إزاحة

الخطط الإسرائيلية الأخيرة، كإخلاء غزة سيتي ونقل السكان إلى “مدينة إنسانية” جنوب القطاع، تعكس مقاربة أقرب إلى الترحيل الجماعي منها إلى الإدارة المباشرة. في الوقت نفسه، تروج بعض الأوساط الإسرائيلية والأمريكية لرؤية خيالية عن “غزة المستقبلية” كمنتجع سياحي وتكنولوجي، وهو ما يكشف البعد الاستعماري في التخيل السياسي.

الإعلام والفقاعة الداخلية

وسائل الإعلام الإسرائيلية نادراً ما تنقل معاناة الفلسطينيين. بدلاً من ذلك، تبث برامج ترفيهية ومسابقات واقع، فيما يظهر الغضب الشعبي أساساً في الاحتجاجات على قضية الأسرى أو ضد نتنياهو. استطلاعات الرأي تشير إلى أن غالبية الإسرائيليين غير معنيين بتلقي أخبار إضافية من غزة، ما يعكس الانغلاق داخل “فقاعة إنكار” جماعية.

من الخطاب السياسي إلى الأساطير الدينية

اللغة السياسية الإسرائيلية تنزلق أكثر فأكثر نحو استدعاءات توراتية وخطاب “الثأر الإلهي”، حيث يتم تصوير 7 أكتوبر كامتداد للهولوكوست، وحماس كـ”النازيين الجدد”. هذه النزعة الميثولوجية تغذي قناعة بأن الصراع أبدي وصِفري، ما يقلص هامش الخيال السياسي ويشرعن استمرار الحرب.

قراءة ماللي وأغا: فشل السلام من جذوره

الكتاب الجديد Tomorrow Is Yesterday لروبرت ماللي وحسين أغا يقدم تشخيصاً جذرياً: عملية السلام فشلت لأنها حاولت تجاهل التاريخ والهوية. فالإسرائيليون يسعون إلى أمن أبدي يترجم إلى هيمنة دائمة، والفلسطينيون يتمسكون بحقوق تاريخية يعتبرون التفريط بها إهانة وجودية. بالنسبة للكاتبين، لم يكن حل الدولتين محطة طبيعية للطرفين بل مساراً مصطنعاً مدعوماً بانحياز أمريكي.

تصاعد العنف والانتقام

منذ 7 أكتوبر، برزت في المجتمع الإسرائيلي نزعة انتقامية صريحة، تتجلى في نشر صور الأسرى الفلسطينيين مقيدين، أو السخرية من المجاعة في غزة باعتبارها “خدعة”. هذا المناخ جعل أي انتقاد لإسرائيل يُنظر إليه كعداء للسامية، ورسّخ اعتقاداً شعبياً بأن “لا أحد بريء في غزة”، وهو ما يغذي منطق الإبادة الجماعية.

البعد الجوهري: نظام واحد يحكم شعبين

يرى شيزاف أن الصراع لا يمكن اختزاله في أساطير الهوية أو “الكراهية القديمة”، بل هو انعكاس لنظام سياسي يقوم على حكم شعب لآخر. إسرائيل تتحكم في كل موارد الفلسطينيين وحدودهم واقتصادهم، بينما يُحرمون من الحقوق السياسية. هذا النظام، بطبيعته، ينتج عدم استقرار دائم ويجعل الفلسطينيين قابليين للإقصاء والتجريد.

نحو كسر الفقاعة: الاعتراف بالحقوق أولاً

المقال يؤكد أن جوهر الفشل الدولي كان في التعامل مع الحقوق الفلسطينية كـ”جائزة مشروطة” مرتبطة بعملية سلام، بدلاً من كونها أساساً لأي حل سياسي. الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، حتى لو كانت رمزية بلا سيادة، يكتسب أهميته من كونه يعيد الاعتراف بالحقوق ويمنح زخماً للتحركات في المؤسسات الدولية. شيزاف يرى أن ذلك، إلى جانب عقوبات محتملة على مسؤولين إسرائيليين، قد يشكل بداية لتغيير المعادلة.

الخلاصة: السياسة كاختيار لا كقدر

يختتم شيزاف مقاله بالتأكيد أن الأساطير ليست قدراً أزلياً، بل أدوات سياسية يمكن إعادة تشكيلها. ما يفرض العنف والاستبداد ليس حتميات دينية أو قومية، وإنما نظام يضع طرفاً فوق الآخر. كسر هذه البنية يبدأ بالاعتراف بحقوق الفلسطينيين كمنطلق لأي تصور سياسي، سواء لدولة واحدة أو أكثر.

اقرا ايضا

القاهره والرياض ترسمان ملامح جديده لأمن الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى