ما رأي كبار خبراء وول ستريت في الاتفاق التجاري الأمريكي الصيني؟

في أول يوم تداول بعد الإعلان عن اتفاق تجاري جزئي بين واشنطن وبكين، شهدت الأسواق الأمريكية ارتفاعًا ملحوظًا، إذ رحّب المستثمرون بالتطورات، رغم استمرار بعض المخاطر.
فالاتفاق، الذي خفّض مؤقتًا الرسوم الجمركية بين الطرفين، أثار ارتياحًا عامًا لكنه لم يبدّد المخاوف بالكامل.
فيما يلي أبرز ما قاله كبار المحللين والمستشارين في وول ستريت بشأن الاتفاق وتأثيره المحتمل على الاقتصاد والأسواق.
خفض التعريفات: ارتياح مشوب بالحذر
الاتفاق المؤقت نصّ على تخفيض الولايات المتحدة رسومها الجمركية على السلع الصينية من 145% إلى 30%، فيما تعهّدت بكين بخفض رسومها على المنتجات الأمريكية من 125% إلى 10%، وذلك لفترة مؤقتة مدتها 90 يومًا، بينما تتواصل المفاوضات.
رغم الترحيب العام من قبل المستثمرين، رأى بعض المحللين أن الرسوم، حتى بعد تخفيضها، تظل عبئًا على الاقتصاد، وقد تعيق العودة الكاملة للنشاط التجاري.
باركليز: لا ركود… لكن النمو سيبقى ضعيفًا
تراجعت مؤسسة “باركليز” عن توقعاتها السابقة بحدوث ركود في النصف الثاني من العام، لكنها توقعت تباطؤًا عامًا في النمو.
وتتوقع المؤسسة أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.5% بحلول نهاية 2025، و1.5% بنهاية 2026.
وأضافت في مذكرة حديثة أن خفض الرسوم سيقلل من التأثيرات التضخمية وسيساعد على استعادة بعض من حركة التجارة التي تباطأت مؤخرًا.
محمد العريان: لا مؤشرات مطمئنة كليًا
رأى محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين في “أليانز”، أن الاتفاق لا يعني نهاية التهديدات الاقتصادية، فخفض الرسوم لن يُلغي الضغوط التضخمية تمامًا.
واعتبر أن التفاؤل على المدى القصير لن يمنع الاحتياطي الفيدرالي من التريث في خفض أسعار الفائدة.
وأضاف: “سنشهد نموًا مؤقتًا، لكن مع استمرار حالة الحذر لدى رؤساء الشركات، ومع عدم وضوح التأثيرات السياسية والأمنية، لا يمكن القول إن الخطر زال”.
تورستن سلوك (Apollo): صفقة تزيل “خطر الذيل” الكبير
وصف كبير الاقتصاديين في Apollo، تورستن سلوك، الاتفاق بأنه أزال “أحد أكبر المخاطر” التي كانت تهدد الاقتصاد الأمريكي، وهو خطر انهيار العلاقات التجارية مع الصين.
وقدّر احتمال الركود بنحو 30% فقط، بعد أن كان يرى فرصة بنسبة 90% لحدوث ركود ناتج عن “إعادة ضبط تجارية طوعية”، ومع ذلك، حذر من أن استعادة الثقة في الأسواق الأمريكية ستستغرق وقتًا.
مايك ويلسون (Morgan Stanley): أدنى نقطة مرّت بالفعل
قال مايك ويلسون، كبير مسؤولي الاستثمار في مورغان ستانلي، إن سوق الأسهم ربما تخطت بالفعل القاع، وأعاد التأكيد على توقعاته بوصول مؤشر S&P 500 إلى 6,500 نقطة بنهاية العام.
وأوضح أن تقليص الرسوم قد يمنح الاحتياطي الفيدرالي مساحة أكبر لخفض أسعار الفائدة، مما يدعم الأصول الخطرة. كما أن انخفاض الدولار قد يعزز أرباح الشركات الأمريكية.
روجر ألتمان (Evercore): اتفاق مؤقت… والمعركة لم تنتهِ
اعتبر مؤسس شركة Evercore أن ما جرى ليس سوى “هدنة مؤقتة” لمدة 90 يومًا، وهي خطوة أولى نحو إطار دائم. وأضاف أن القضايا الخلافية الكبرى لم تُحل بعد، وأبرزها دعم الحكومة الصينية للشركات الوطنية.
وقدر ألتمان أن متوسط الرسوم الجمركية الأمريكية لا يزال أعلى بكثير مما كان عليه قبل رفع الرسوم في أبريل الماضي – من 4% سابقًا إلى نحو 14% حاليًا.
إد يارديني (Yardeni Research): الضغط السياسي يغير الاتجاه
رأى الخبير المخضرم إد يارديني أن الاتفاق يعكس فاعلية النظام الأمريكي في كبح القرارات الرئاسية. وأشار إلى أن ترامب يواجه ضغوطًا متزايدة لتخفيف التوتر التجاري قبل الانتخابات النصفية القادمة.
وقد خفّض يارديني توقعاته لاحتمال حدوث ركود من 35% إلى 25%، وتوقع أيضًا أن يصل مؤشر S&P 500 إلى 6,500 نقطة بنهاية 2025.
جيمس نايتلي (ING): التصنيع الصيني لا يزال أرخص
قال كبير الاقتصاديين الدوليين في بنك ING، جيمس نايتلي، إن تخفيف الرسوم لن يغير حقيقة أن التصنيع في الصين ما يزال أكثر توفيرًا. وأشار إلى أن خفض الرسوم يقلل من الإيرادات التجارية التي كان ترامب يأمل في استخدامها لتمويل تخفيضات ضريبية.
لكنه أضاف: “رغم ذلك، فإن التهدئة ترفع معنويات السوق وتخفف من رياح معاكسة كانت تهدد الاقتصاد الأمريكي”.
جيم ريد (Deutsche Bank): هل كان كل شيء حلمًا؟
شبّه جيم ريد من دويتشه بنك الأحداث الأخيرة بسيناريو خيالي من مسلسل “دالاس”، حيث اختفت مشاهد كاملة من ذاكرة الجمهور كأنها حلم. وقال إن التخفيض المؤقت للرسوم أعاد العلاقات التجارية تقريبًا إلى ما قبل “يوم التحرير”.
وأضاف أن الأسواق باتت ترى أن أسوأ ما في الحرب التجارية قد أصبح من الماضي، لكن المخاطر لا تزال قائمة.
لاري سمرز: أمريكا تراجعت… لكنها كانت محقّة
في منشور عبر منصة “إكس”، قال وزير الخزانة الأمريكي الأسبق لاري سمرز إن الولايات المتحدة “غمزت أولًا”، معتبرًا أن بكين لم تقدم تنازلات كبيرة.
وأضاف: “أحيانًا، من الأفضل أن تتراجع عن خطأ، حتى لو كان في ذلك شيء من الإحراج”.
ديفيد روزنبرغ: ترامب غيّر قواعد اللعبة
أشاد ديفيد روزنبرغ، مؤسس Rosenberg Research، بقدرة ترامب على إقناع الجميع بأن رسومًا جمركية بنسبة 30% هي أمر طبيعي.
وقال بسخرية: “لا شيء يشبه فرض 10% على هذه الكتلة العالمية العملاقة المسماة بالتجارة. يبدو أن فن الصفقة يعمل بفعالية غير مسبوقة”.
الخلاصة:
رغم الترحاب المبدئي بالاتفاق التجاري الأمريكي الصيني، تتباين آراء المحللين بين من يرى فيه خطوة إلى الأمام ومن يعتبره مجرد هدنة مؤقتة قد تنتهي بتصعيد جديد. ومع أن السوق احتفل بالخبر، فإن مستقبل العلاقات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم ما زال محفوفًا بعدم اليقين.