الاقتصاد

البحر الاحمر يشتعل مجددا: قتيلان في هجوم حوثي علي سفينة شحن قرب اليمن

"ماكرون في لندن: استعراض للشراكة أم امتحان للعلاقات؟"

في تصعيد جديد يهدد أحد أهم الشرايين البحرية العالمية، أعلن وفد ليبيريا في المنظمة البحرية الدولية عن مقتل اثنين من طاقم سفينة الشحن “إيترنيتي سي” التي ترفع علم ليبيريا وتديرها شركة يونانية، وذلك في هجوم بطائرات مسيرة وزوارق سريعة شنته جماعة الحوثي قبالة سواحل اليمن، مساء الإثنين. هذا الحادث الذي وقع على بُعد 50 ميلاً بحريًا جنوب غرب ميناء الحديدة، يُعد الأكثر دموية منذ يونيو 2024، ويكشف عن استمرار تآكل أمن الملاحة في البحر الأحمر رغم الجهود الدولية الحثيثة للردع والحماية.

 

الممر الدولي في مرمى النار

الهجوم الذي استهدف “إيترنيتي سي” يأتي في وقت حساس، إذ تعتمد التجارة العالمية بشكل كبير على هذا الممر الذي يربط قناة السويس بالمحيط الهندي. ومنذ أواخر 2023، كثّف الحوثيون من هجماتهم على السفن التجارية، خاصة تلك التي يُشتبه بارتباطها بمصالح أمريكية أو إسرائيلية، وهو ما دفع الولايات المتحدة وشركاءها لتدشين عمليات بحرية مشتركة، مثل “أسبيدس”، لحماية السفن في المنطقة.

 

تصعيد مزدوج… وضحايا جدد

لم يكن الهجوم على “إيترنيتي سي” الحادث الوحيد، فقد سبقه بساعات إعلان الحوثيين عن استهداف سفينة شحن أخرى تُدعى “ماجيك سيز”، تديرها أيضًا شركة يونانية وترفع العلم الليبيري. الجماعة المسلحة ادعت أن السفينة قد “غرقت”، وهو ما لم تؤكده حتى الآن جهات مستقلة. بذلك، يرتفع عدد القتلى في صفوف البحّارة منذ بداية حملة الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر إلى ستة أشخاص، ما يزيد الضغط على الدول المالكة والمُشغّلة لهذه السفن، ومعظمها من أوروبا وآسيا.

 

رواية شركة التشغيل: خلل كارثي وهجوم معقّد

بحسب شركة “كوزموشيب مانجمنت” المشغلة للسفينة، فقد تعرضت “إيترنيتي سي” لهجوم مركّب باستخدام طائرات بحرية مسيرة وقذائف صاروخية محمولة على الكتف أُطلقت من زوارق سريعة. وأسفر الهجوم عن مقتل اثنين من الطاقم، وإصابة اثنين آخرين على الأقل، بينما أصيبت السفينة بميول خطير، ما يعكس حجم الضرر. على متن السفينة كان يوجد 22 بحّارًا، بينهم 21 فلبينيًا وروسي واحد.

 

الأبعاد السياسية للهجوم

الهجوم يعكس تطورًا نوعيًا في القدرات العملياتية للحوثيين، الذين أصبحوا أكثر جرأة في تنفيذ هجمات تستهدف مصالح دولية مباشرة. وفي ظل صراعهم المستمر مع التحالف الذي تقوده السعودية، واستمرار التوتر مع الولايات المتحدة بسبب الضربات الجوية الأخيرة على صنعاء، يبدو أن الحوثيين باتوا يستخدمون البحر الأحمر كورقة ضغط استراتيجية، خاصة بعد الضربات الأمريكية التي توعدت واشنطن بمواصلتها “إلى أجل غير مسمى”.

 

المجتمع الدولي: تنديد دون ردع حقيقي

في اجتماع طارئ للمنظمة البحرية الدولية، عبّر ممثل ليبيريا عن “الصدمة والحزن”، مشيرًا إلى أن الحادث وقع بينما كانت البلاد لا تزال تتعامل مع آثار الهجوم على سفينة “ماجيك سيز”. ورغم الإدانات المتكررة من العواصم الغربية، لا يزال المجتمع الدولي يفتقر إلى خطة ردع فعالة توقف هذه الهجمات المتكررة، التي تهدد ليس فقط الأرواح، بل أيضًا سلاسل التوريد العالمية وأمن الطاقة.

 

أزمة التأمين والشحن تشتد

مع تزايد وتيرة الهجمات، تواجه شركات الشحن العالمية معضلة كبرى: هل تواصل الإبحار عبر هذا الطريق الاستراتيجي عالي الخطورة، أم تعيد توجيه مساراتها حول رأس الرجاء الصالح، وهو ما يعني زيادة كبيرة في زمن الشحن وتكلفته؟ شركات التأمين بدورها رفعت أقساط التغطية في هذه المنطقة بشكل غير مسبوق، ما ينعكس في نهاية المطاف على أسعار السلع عالميًا، وعلى قدرة الدول النامية على استيراد احتياجاتها الأساسية.

 

مناورات بحرية… بلا نتائج ملموسة

رغم الانتشار الواسع للأساطيل الغربية في البحر الأحمر، وعلى رأسها الأسطول الأمريكي الخامس، فإن الحوادث الأخيرة توضح هشاشة آليات الردع. المبادرات العسكرية، مثل عملية “أسبيدس” الأوروبية، أو “حارس الممرات” التي تقودها الولايات المتحدة، لم تنجح حتى الآن في تأمين الممر بالكامل أو منع هجمات الحوثيين، الذين يعتمدون على أساليب حرب غير تقليدية تجعل من الصعب رصدهم أو توقع ضرباتهم.

 

سيناريوهات محتملة: التصعيد أم الاحتواء؟

في ظل فشل الردع العسكري حتى الآن، يبقى احتمال التصعيد مطروحًا بقوة، سواء عبر ضربات جوية أشد على مواقع الحوثيين، أو من خلال منح السفن التجارية صلاحيات للدفاع عن نفسها. لكن الخيار العسكري قد يزيد تعقيد الأزمة الإنسانية في اليمن، ويقود إلى توتر أوسع مع إيران، الداعم الأبرز للحوثيين. بالمقابل، قد تتجه بعض الأطراف للضغط نحو تسوية سياسية، تعيد ضبط قواعد الاشتباك في البحر الأحمر.

أقرأ أيضا

هل تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها دون الولايات المتحدة ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى