تقارير التسلح

12 يومًا تكشف ثغرة في درع أمريكا: هل انتهى عصر الردع الصاروخي التقليدي؟

حرب الـ12 يومًا تكشف هشاشة درع واشنطن: هل لا تزال العقيدة الدفاعية الأمريكية أسيرة عقلية الحرب الباردة؟

لم تحتج إيران أكثر من 12 يومًا من الحرب ضد إسرائيل في يونيو الماضي حتى تكشف واحدة من أكثر النقاط ضعفًا في البنية العسكرية الأمريكية: النقص الحاد في مخزون صواريخ الاعتراض الدفاعية، خاصة تلك المرتبطة بمنظومة “ثاد” (THAAD) المتقدمة. فرغم أن النظام أثبت فعاليته في إسقاط موجات متتالية من الصواريخ الإيرانية، إلا أن الكلفة الاستراتيجية واللوجستية كانت صادمة. فهل ما زالت الولايات المتحدة عالقة في تصور عقيم للحرب يقوم على مواجهة محدودة مع خصوم محدودي الترسانة؟ أم أن عصر “الإغراق الصاروخي” يفرض إعادة هيكلة كاملة لمفهوم الدفاع الجوي الأمريكي؟

استنزاف الصواريخ: 150 اعتراضًا خلال 12 يومًا

كشفت الحرب القصيرة المدى عن مدى التهديد الذي يشكله استخدام صواريخ رخيصة ووفيرة ضد أنظمة دفاعية باهظة ومحدودة الكمية. فقد أطلقت وحدات “ثاد” الأمريكية المنتشرة إلى جانب منظومات الدفاع الإسرائيلية ما يصل إلى 150 صاروخ اعتراض خلال النزاع، وهو ما يُمثّل ربع ما امتلكته وزارة الدفاع الأمريكية من صواريخ “ثاد” منذ بدء تشغيل النظام.

الأمر المقلق أن هذا المخزون المتآكل لم يكن مكتملًا أصلًا، إذ أن عددًا من هذه الصواريخ لم يُسلّم بعد من قبل الشركة المصنعة “لوكهيد مارتن”، فيما استُخدم جزء آخر في التدريبات والاختبارات. ومع انخفاض “عمق المخزن”، تصبح أي مواجهة مطولة شبه مستحيلة دون اتخاذ قرارات استراتيجية صعبة، مثل تحويل صواريخ مخصصة لحلفاء إلى جبهات أكثر اشتعالًا.

تم إطلاق صاروخ اعتراضي من نظام الدفاع الجوي للارتفاعات العالية الطرفية (THAAD) من بطارية THAAD الموجودة في جزيرة ويك، خلال حدث الاختبار التشغيلي للطيران (FTO)-02 2a، الذي أجري في 1 نوفمبر 2015. وخلال الاختبار، اعترض نظام THAAD بنجاح هدفين لصاروخين باليستيين تم إطلاقهما من الجو.

التفكير بتحويل صواريخ مخصصة للسعودية

في لحظة توتر قصوى خلال الحرب، ناقش البنتاغون فكرة تحويل صواريخ اعتراض كانت مخصصة للسعودية نحو إسرائيل. مثل هذه الخطوة كان من شأنها أن تؤدي إلى تداعيات دبلوماسية كبيرة، خاصة أن منشآت النفط والمدن السعودية كانت بدورها مهددة. وهي إشارة واضحة إلى حجم العجز الذي أصاب القيادة العسكرية الأمريكية حين وجدت نفسها أمام تهديد مزدوج: خطر إيراني متسارع ونقص في الذخائر الدفاعية.

أرقام وحقائق تكشف الفجوة

وفقًا لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، لم تنتج الولايات المتحدة سوى 8 بطاريات “ثاد” حتى الآن، من بينها 7 فقط عاملة. خمسة منها منتشرة خارج الأراضي الأمريكية، بما في ذلك إسرائيل، غوام، كوريا الجنوبية، والسعودية. هذا يترك بطاريتين فقط لحماية الأراضي الأمريكية، وهو رقم مقلق عند التفكير بأي تصعيد في مسارح عمليات أخرى، خصوصًا في المحيطين الهندي والهادئ.

يبلغ سعر الصاروخ الواحد من “ثاد” حوالي 13 مليون دولار، ما يعني أن إعادة ملء مخزون 150 صاروخًا قد تكلّف قرابة 2 مليار دولار. ورغم محاولات رفع الإنتاج إلى 100 صاروخ سنويًا، فإن دراسات مستقلة أشارت إلى أن تجديد المخزون بالكامل قد يتطلب من 3 إلى 8 سنوات.

العقيدة الدفاعية تحت المجهر

يبدو أن العقيدة الدفاعية الأمريكية لا تزال قائمة على فرضيات الحرب الباردة: صواريخ استراتيجية قليلة، دفاعات محكمة، وأعداء بحسابات دقيقة. غير أن الواقع الجديد مختلف تمامًا. دول مثل إيران، ناهيك عن روسيا أو الصين، باتت تمتلك ترسانات ضخمة من الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، يمكن إطلاقها بأعداد كبيرة، وبكلفة أقل كثيرًا من كلفة اعتراضها.

تقرير “JINSA” أشار إلى أن إيران أطلقت 574 صاروخًا خلال النزاع، أي نحو ثلث ترسانتها فقط، تمكن 57 منها من تجاوز الدفاعات والوصول إلى أهدافها. أما الصين وروسيا، فتمتلكان قدرات تفوق ذلك بأضعاف مضاعفة.

الإنتاج لا يواكب التحديات

في ظل الدعم الأمريكي المستمر لأوكرانيا، والقلق المتصاعد بشأن صدام محتمل مع الصين في المحيط الهادئ، تتزايد التساؤلات حول قدرة واشنطن على تلبية الطلب المستقبلي على الذخائر الدفاعية. البطء في خطوط الإنتاج، وارتفاع كلفة كل صاروخ اعتراض، يجعلان من الصعب التصور أن الولايات المتحدة يمكنها الصمود في حرب طويلة الأمد دون استنزاف مقدراتها بسرعة.

“القبة الذهبية” وفخ الطموحات المتداخلة

يتزامن هذا الواقع مع طموحات إدارة ترامب لإنشاء منظومة دفاعية وطنية تعرف باسم “القبة الذهبية”، وهي مشروع ضخم قد يتطلب نشر المزيد من وحدات “ثاد” داخل الأراضي الأمريكية. أي استخدام لـ”ثاد” في المشروع الجديد سيتطلب إنتاج بطاريات جديدة، وهو ما قد يزيد الضغط على المصانع التي تعاني أصلًا في مواكبة الطلب الحالي.

منظومة ثاد الامريكية

صدمة النخبة العسكرية

مسؤولون كبار مثل نائب الأميرال براد كوبر، الذي سيتولى قريبًا قيادة القيادة المركزية الأمريكية، أعربوا علنًا عن قلقهم من “عمق المخزن” ونقص الذخائر. كما أكد باحثون أن البنتاغون بدأ متأخرًا جدًا في إدراك حجم التحول في طبيعة الحروب الحديثة.

 عصر الصواريخ الرخيصة والفعالة

في عالم اليوم، لم تعد المعركة تُحسم فقط بقاذفات الشبح أو حاملات الطائرات، بل أيضًا بالقدرة على إنتاج وتخزين واعتراض آلاف الصواريخ. وحتى جماعات مسلحة غير تقليدية مثل الحوثيين باتت تمتلك ترسانات تكتيكية قادرة على إرباك أقوى أنظمة الدفاع.

الولايات المتحدة، رغم تفوقها التكنولوجي، تبدو مطالَبة الآن بتغيير جذري في عقيدتها الدفاعية، ليس فقط من حيث العدد، بل من حيث الاستجابة، والمرونة، والجاهزية لتكرار 12 يومًا من المعركة، في أكثر من جبهة، وعلى مدار شهور.

إقرأ أيضَا:

السباق نحو “السماء المسلحة”: كيف تستعد أمريكا لحرب الأقمار الصناعية؟

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. عمل في مؤسسات إعلامية محلية ودولية، وتولى إدارة محتوى في مواقع إخبارية مثل "أخباري24" والموقع الألماني "News Online"، وغيرهم, حيث قاد فرق التحرير وواكب التغيرات المتسارعة في المشهد الإعلامي العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى